السر قدور يعتبر خبيراً فنياً يحمل إسترايجية متوازنة لصناعة التوثيق، فهو من نفض الغبار عن أسطورة «الحكواتي» أو الحاكي.. وهذا لا يتأتى إلا لرجل صاحب مقدرة هائلة في السرد وإضاءات مشرقة في طرد العتمة من كهف الفن، والطرْق بطريقة جذابة في جوانب انحسرت عنها الأضواء بطريقة ربما تعصف بها إلى جب النسيان.. وآفة السودان الكبرى هي عدم التوثيق ودائماً ما نترك الأمور للأيام لتلعب الأقدار دوراً في إسقاط حاجز يفصل ما بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، والشمس تمضي عجلى دون أن تقيدها الانتباهة بالمحاولة.. خصوصاً أننا ندمن المشافهة كأننا نحارب الأوراق والتقارير ونعشق الكواليس.. الأستاذ السر قدور أوجد مساحة فشلت الجهات المنوط بها الاهتمام في وضع دراسة جدوى لها، وفي الإذاعة والتلفزيون هنالك أغنيات سافرت مع مبدعيها، وأغنيات ماتت في الأضابير.. وأغنيات مزقها الإهمال شر تمزيق. برنامج «أغاني وأغاني» الرمضاني يعتبر لمحة تستوعب نماذج من مرحلية الأغنية منذ أن هتف الفنان خليل فرح من الأعماق مجلجلاً بصوته (عزة في هواك) إلى أن وصلنا إلى (المصير) و(الحزن القديم) و(مسامحك يا حبيبي)، وهناك جوانب خفية يتطرق إليها الأستاذ السر قدور كجانب مساعد بمعرفة ومعاصرة الظروف التي صاحبت ميلاد الأغنية وتداعيات اكتمالها بالشكل الذي جعلها تمور بالروعة والجمال.. السر قدور شاعر يعرف كيف يصيغ الدرر واللآلئ والجواهر العتيقة، ولعل تجربته مع الفنان الراحل إبراهيم الكاشف تعتبر هي الأبرز وأخرجت لنا: (يا صغير، رحلة بين طيات السحاب، المهرجان، الشوق والريد، احتكار أنا) وغيرها من الروائع التي شكلت جذوة الزمن الجميل، ولديه الكثير من الأغنيات التي قدمها بإلفة وتحنان للعديد من الفنانين.. أمثال العاقب محمد حسن في أغنية «يا حبيبي نحنا اتلاقينا مرة».. ولعل أبرزها أغنية «ياريت» للفنان كمال ترباس.. (حاولت أكتب ليك واصور الإحساس وأقول كلام في الريد زي النجوم الماس.. تعبت ألقى حروف ما سمعوا بيها الناس..).. وتعتبر هذه الأغنية من أجمل المشاعر الفنية التي تجمّل الوجدان، وهناك أغنية «حنيني إليك» لمحمد ميرغني.. السر قدور رغم أنه شاعر مجيد فهو كاتب صحفي وله عمود شهير بصحيفة «الخرطوم» يحمل اسم (أساتذة وتلاميذ)، بالإضافة إلى ذلك فهو ممثل ومؤلف ومخرج دراما قدير، زامل رواد حركة المسرح في السودان، وفوق كل هذا فهو إنسان صاحب دعابة حلوة وحديث عذب وتجربته الطويلة في الوسط الفني صنعت منه موسوعة ضخمة ومرجعية.. فليته يعود من قاهرة المعز نهائياً ليستقر بالبلاد حتى يدعم حركة الإبداع التي هي في أمس الحاجة لكبير مثل السر قدور، وحتى تحتفي به الدولة عبر تكريم يليق به.