{ بدعوة كريمة من إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالمنسقية العامة للخدمة الوطنية دخلتُ طائعة مختارة إلى ذلك الصرح الأشم وعدد من الأسئلة تدور في ذهني حول ما آل إليه حال المنسقية والمهام التي باتت تؤديها تحديداً بعد التغيرات الجذرية التي طالت نشاطها الذي تعارفنا عليه زمناً الذي تزامن - لسوء الحظ - مع فترة الحرب السوداء مما جعل عمل المنسقية يرتبط في أذهاننا بصورة شائهة ومريعة بها الكثير من الترهيب والملاحقة وانعدام الثقة. { ويبدو أنني كنت على موعد مع عدد من التفاصيل المدهشة يومها، وأولها دهشتي التي سرعان ما تحولت إلى سعادة غامرة وتقدير كبير لتلك المرأة الهادئة العميقة «الأستاذة وداد» التي وجدتها على رأس إدارة الإعلام بكل ما تتمتع به من لباقة في الحديث وذكاء في التعامل. ثم كانت دهشتي الكبرى وأنا أتجول في أنحاء المنسقية بكل أقسامها حتى أقف على العمل الدقيق لوحدة المعالجة الإلكترونية المركزية بأجهزتها الحديثة جداً ونظامها الدقيق الذي يربط المركز بكل الولايات ويعمل بتقنية الألياف الضوئية عالية الجودة بحيث يشكل شبكة واسعة تحتوى على أدق المعلومات والتفاصيل التي يمكن اعتبارها مرجعية قومية في تقصي الحقائق وإجراء الإحصاءات والدراسات من فرط الدقة والحماية الفائقة التي تتمتع بها، وقد بلغت المنسقية حداً من التطور الإلكتروني بحيث يتم توزيع كل أوامر الخدمة من المركز وإعداد تقارير الإدارة ومتابعة كافة المعاملات التي تتم في كل الفروع في ذات اللحظة. وأحسب أن بإمكان هذه الوحدة أن تقدم كافة الخدمات للعديد من المؤسسات في القطاعين العام والخاص؛ إذ أن العمل بها مبهر ومتطور ودقيق. { وفي إطار لقائنا التفاكري ببعض كوادر الخدمة الوطنية الناشطين لمسنا اجتهادهم الكبير ورغبتهم الأكيدة في محو الصورة القديمة الحالكة وتطوير الملف الإجرائي لعمل الخدمة الوطنية والتأكيد على أنها وسيلة لإعلاء الحس الوطني وخدمة المجتمع، ويبدو أنهم قد قطعوا شوطاً مقدراً في هذا الاتجاه؛ إذ ساهم الاستقرار في تحسين فكرة المواطنين حول «الإلزامية» نوعياً؛ لا سيما وأنها تلتقي معه في عدة ملفات حياتية مهمة. { والآن، أصبح المواطنون يسعون طائعين نحو مباني المنسقيات لإجراء معاملاتهم بسلاسة واطمئنان، وانعدمت تماماً صورة (دفار الكشة) الماضي إلى جهة غير معلومة، وهذا ما أكده لنا القائمون على الأمر؛ إذ انعدمت تماماً تلك الحملات العشوائية وكل ما يقال عنها لا يعدو كونه شائعات مغرضة. وتجاوز عمل الخدمة الوطنية الشق العسكري ليشمل التنمية والعمران وعمل المرأة. والأمر يحتاج منا - كإعلاميين - للحديث مراراً حول الأمر؛ إذ أنني أقف الآن حائرة أمام ذلك الكم الهائل من المعلومات والحقائق التي وقفت عليها ويضيق الحيز عن ذكرها. { فالحديث عن عمل منسقية المرأة الاستثنائية الوليدة يقودنا لضرورة ذكر العديد من البرامج والمشروعات الخاصة بالمرأة حسب طبيعتها، الذي بدأ بطالبات الكليات ذات النشاط المدني الواضح «الطب - التربية» ثم تغير مؤخراً ليستوعب جميع التخصصات ويتحول إلى تدريب مدني ينمي القدرات. ونسبة لمحدودية الغرض بمؤسسات الدولة تطلب الأمر البدء في تصميم مشروعات خاصة بالخدمة الوطنية، كمشاريع التنمية الاجتماعية «التشجير + محو الأمية» ثم بدأ التركيز على الأمومة الآمنة بالتعاون مع وزارة الصحة - اليافعين ومعالجة أزمة تسربهم من التعليم عبر المدارس الوطنية بمنهجها التعويضي الخاص الذي يختصر ثماني سنوات أساس في أربع. بالإضافة إلى ذلك تقوم منسقية المرأة بالإشراف على اليوم الأسري أو (عريشة الأمهات) داخل المعسكرات وهو يوم خاص بالأمهات يقمن فيه بكافة لوازم أبنائهن. { إذن، تقوم الآن الخدمة الوطنية بأداء مهام تنموية كبيرة في جميع أنحاء الوطن ولدينا عدد من الأمثلة العظيمة على ذلك مثل منطقة (شطاية)، وهي وحدة إدارية بجنوب دارفور، ساهمت الخدمة الوطنية ومنسوبوها بجعلها فاعلة في اتجاه العودة الطوعية بكل ما أحدثوه بها من إعمار وتغيير جذري في اتجاهات وثقافة وخدمات المجتمع. أيضاً مشروع التواصل والإخاء الواقع ما بين القضارف وإثيوبيا الذي نجح في ما فشلت فيه القوة والسياسة بخلقه لمجتمع متصالح يقوم على أساس زراعي لعدد من المحاصيل المهمة والضرورية، فحققت الخدمة الوطنية الاستقرار والأمن والتنمية في كل من (سماسم) و(أم دبلو) وروّضت الهجامة من (الشِّفتة) الإثيوبيين وحولتهم إلى مزارعين وحُماة للمشروع بعد أن وفرت لهم كل الآليات والضروريات والرعاية الصحية. { عليه، فإن الخدمة الوطنية بمفهومها الجديد والسليم لا علاقة لها بنظام أو إرهاب أو إرغام ولكنها وسيط بين المجتمع والجهات المعنية، وقد قامت على أكتاف طلابها ومنسوبيها العديد من المشاريع المحورية فهي تمد يد العون وتسد النقص وتقف بكل تجرد خلف كل ما من شأنه إعلاء السودان وتطوير إنسانه وتنمية مجتمعه. فالتحية لطلابها الأوفياء الذين يحتملون كل العنت والعوائد الضعيفة في سبيل القيام بواجبهم النبيل على أمل أن تقدّر كل المؤسسات الفعل الإيجابي للخدمة الوطنية داخل ردهاتها. { تلويح: شكراً لأسرة المنسقية على هذه الفرصة الطيبة التي أتاحت لنا الوقوف بكل احترام أمام هذا الجهد الكبير والبعيد عن الأضواء، على أمل أن تتحقق جميع طموحاتهم النبيلة.. ولنا عودة.