{ أذكر أنه منذ ما يقارب العام، إبان تقلد الأستاذة «أميرة الفاضل» منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية الولائية، أن دُعينا إلى لقاء توضيحي مهم مع السيد الوالي «عبد الرحمن الخضر» لمناقشة ظاهرة المتسولين بكل ما بها وما عليها والوقوف على الإجراءات التكاملية التي تمّت بشأنهم في ما بين الوزارة والولاية. وكنا قد خرجنا بحصيلة وافية بإحصاءات دقيقة عن عدد هؤلاء المتسولين وجنسياتهم وطريقة التعامل معهم، مع تأكيد الوزارة على البدء في تنفيذ خطة محكمة لترحيلهم من حيث أتوا وتجفيف العاصمة منهم لا سيما وأن معظمهم من جنسيات غير سودانية يعمل بعضهم وفق شبكة واسعة ومنظمة. { وقد أثلج وقتها ذلك الحديث صدورنا، وإن كنت لا أعلم أين وقف الآن، وبدأنا نتفاءل في انتظار الإجراءات الرادعة التي سترحمنا من هذا الكم الهائل من المتسولين الذي يخرج علينا من كل اتجاه بصورة ممجوجة ومزعجة تشوِّه الشارع العام وتعكس انطباعاً سالباً للزوار، علماً بأن الوقائع تؤكد أن معظم هؤلاء المتسولين (مستهبلين)، وفي هذا الإطار كنا قد نادينا بمقاطعة متسولي الطريق العام والتمييز بين أصحاب الحاجة الحقيقية وغيرهم دون الدخول في جدل ديني ودون أن ننهر سائلاً، ولكن على الجميع أن يعملوا بمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف» وإذا كان في الإمكان تقديم المساعدة وبذل الصدقات فمن الأفضل أن نتخيَّر مواضعها ومن تذهب إليهم. { الآن، زاد الأمر عن الحد بصورة ملفتة وشائهة، ولا أعرف هل عاد أولئك المتسولون الأجانب الذين أُعلمنا بترحيلهم من قبل ومعهم ذويهم من جديد؟ أم أن الأرض تنبتهم من حيث لا نحتسب؟ فالحقيقة أن أقل واحد منا سيصادف في طريقه يومياً ربما أكثر من (20) متسولاً معظمهم أطفال في أعمار مبكرة ولكنهم على مهارة عالية في كيفية التأثير عليك والإلحاح في سبيل إقناعك أخيراً بمنحهم ما تيسر على مضض فقط لتستريح من ملاحقتهم، فتكون بذلك خرجت صفر اليدين منفقاً مالك بِنِيّة متكدرة لا يُرجى من ورائها أجر ولا حسنة. { والغريب في الأمر، أن مشهد هؤلاء المتكدسين عند إشارات المرور والمواقف العامة، يكون غالباً بالقرب من رجال الشرطة أو المحلية أو أمام أماكن قيادية حساسة أو الأقسام أو نحوها دون أن يحرك أحد المعنيين ساكناً تجاه هذه المشاهد اليومية.!! فهل أغلقت الحكومة ملف التسول نهائياً واعتبرته مهنة محمودة؟ أم أن الأمر قد أعياها وضاقت به ذرعاً وفشلت كل مساعيها لتسويته فرفعت يدها عنه نهائياً؟! وحتى متى سيُكتب علينا أن نعاني من هذه الأعداد المهولة بأساليبهم السمجة وإصرارهم على حرق أعصابنا وبعضهم يتبع ما يحلو له من وسائل قد تبدأ بالتعلق بثيابك وتنتهي بضربك والركض بعيداً ما لم تستجب لإلحاحه ومناشداته العقيمة. { والأهم من ذلك، من يتسول مِنْ مَنْ؟ إذا كنا جميعاً نسيِّر أمورنا (بالسُترة) وكثرة الحمد على البلاء، وبعضنا يعاني في حياته أكثر من هؤلاء المتسولين ولكنه عفيف اليد واللسان يستحي من الله ومن الناس. إنّ السواد الأعظم من أهل البلاد (غلابى) ومساكين يقفون تحت خط الفقر منذ زمن في انتظار الفرج، بينما تؤكد الأنباء أن بعض المتسولين يجني في اليوم الواحد مئات الآلاف من الجنيهات ويمتلك العقارات والسيارات - على حسب العديد من الروايات العجيبة والمخيفة. { وأخيراً، ما هي حقيقة هذه الشبكات المنظمة، ولمصلحة من تعمل؟ وللعلم فإن بعض الأطفال الذين تحملهن النساء على الأكتاف لغرض التسول واستدرار العطف وهم يغطون في نوم عميق لا نهائي لأسباب مجهولة، معظمهم مجرد (إكسسوار) يتم إرجاعه من حيث أتى ومعه (توريدة)، وكل الروايات الحزينة التي تُلقى على مسامعنا كاذبة وإلا فهل يعقل أن يبقى أحدهم متسولاً طوال عمره لأن أمه مريضة؟ وأين الجهات المعنية من كل ذلك، وهل يعبر الوزراء والمديرون ذات الشوارع التي نعبرها ويرون ذات المشاهد عند التقاطعات؟! لا أعتقد ذلك، (من باب حسن الظن فحسب). { تلويح: هؤلاء النسوة المتسولات مخضبات البنان، أين ومتى وكيف يجدن الوقت لهذه (الحِنَّة)؟.. والله عجيبة..!