لم يتحرك الشارع في تونس ومصر واليمن ولبيبا وغيرها إلا بعد أن ملّ من التصريحات غير المجدية من قبل الحكومات والوعود الكذابة والجعجعة والاستهتار بعقول الشعب والزيادات غير المبررة وثبات الأجور والدخل. تحركت الشعوب عندما شاهدت كيف أزيلت الطبقة الوسطى وصار لا مكان لها، وكيف صار الأثرياء في ترف ونعيم من عرقهم، وطبقة وهي الشعب لا تمتلك ثمن ثلاث وجبات يومية ولا تستطيع أن تعلم أبناءها أو تذهب بهم إلى المستشفيات. صرخ الآباء والأمهات وتحرك الشباب والكل يعلم الأجهزة الأمنية والاستخبارتية لتك الدولة ومدى قوتها، والتي انهارت لأنها لم تستطع أن تقف أمام ثورة الجياع والمنكسرين والمحطمين، بعد أن فقدوا كل شيء في الحياة وصاروا لا وجود لهم أصلاً. اعتصموا بالأيام والليالي، فالمرارات التي يعيشونها أقوى وأصعب من التراجع، ونجحوا وانتصروا، والآن يضعون الأساس لبدايات جديدة توفر من خلالها كل شيء. دروس مجانية منحت لأهل الإنقاذ من خلال المشهد السياسي في الدول المجاورة، إلا أن بعضهم غير ملتفت لها ويعتقد أن الحكومة تمسك بكل الخيوط جيداً، لذا لم يتوقف بعضهم عن استفزازاته من خلال التصريحات التي تحتاج لانضباط، فالشعب يعيش على آخره ولا يقبل مثل تلك الكلمات الجارحة التي ربما تكون سبباً في خروج للشارع، خاصة وأن الشعب السوداني واعٍ جداً ومتابع لكل الأحداث، بل ومتعلم ومثقف ويعلم حقوقه وواجباته. وتجدني أتفق مع البعض من أهل الإنقاذ بأن المعارضة لا تستطيع فعل شيء لأن الشعب نفسه لا يريد هذه المعارضة التي تبحث لها عن موطئ قدم عن طريق الشعب، بعد أن فقدت كل خيوط اللعبة السياسية وصارت لا حول لها ولا قوة، لذا فهي بعيدة عن المشهد السياسي وإن زعمت غير ذلك، والدليل أن آلاف الناس قالو لهم: (لا)، من خلال الانتخابات، وهذا يوضح فقدان شعبية رجال قاربت أعمارهم التسعينات، فكيف يتحكمون في مصير شباب نضر ينظر للمستقبل بتفاؤل وأمل مشرق؟ وما دعوتهم إلى التظاهر أمام أبوجنزير ببعيدة ولم يتجاوز عددها الخمسين شخصاً تم اعتقال معظمهم بعربتين (هايس) عن طريق شرطة مكافحة الشغب أو غيرها، لا أدري، إلا أننا نؤكد أن ثورة الجياع ستكون قادمة إن لم يتم تغيير الكثير من الأشياء المرتبطة بالشعب، التي تؤكد من خلالها الحكومة أنها تسعى لراحته وحل بعض مشاكله، ولو كان هذا الأمر تلميحاً أو بتغييرات ملموسة لتؤكد حسن النية ولتعاقب كل من يتضح تورطه في جرائم خاصة بالاختلاسات من دواوين الدولة، ودعم السلع الاستهلاكية ومنح مزيد من الفرص للخريجين وإعلان مجانية التعليم والصحة وتخفيض سعر البنزين، والاتفاق مع أصحاب المركبات حول تعريفة الطلاب ودعم الكهرباء والماء وإيقاف الرسوم غير المبررة والالتزام بها من نفايات وغيرها. متطلبات أساسية يومية لا يمكن الاستغناء عنها أضحت تمثل هاجساً حقيقياً للأسر السودانية، فبدلاً من إعلان توفير (30) مليون دجاجة في ولاية الخرطوم، التي أعلنت عبر الصحف كبشارة للأسر الميسورة، كان ينبغي أن يعلن عن تخفيض سعر الدقيق والخبز، بالله عليكم أليس هذا استفزازاً؟ أسر لا تمتلك (حق الفول) وتعلن لها أنك وفرت (30) مليون دجاجة، ثمن الواحدة (15) جنيهاً! أما وزارة النفط فهي واحدة من عذابات المواطن، فمسلسل الغاز ما زال حاضراً ليصل سعر الأنبوبة إلى (30) جنيهاً بالسوق الأسود، بل وينعدم الغاز في أحايين كثيرة، لتخرج علينا الوزارة الموقرة باتهام الوكلاء باختلاق الأزمة، وتطالب الجماهير بالصبر حتي الخامس من أبريل لتتمكن من حل الأزمة! أي استهتار أكبر من ذلك؟ وبأي لغة يخاطبونكم ياهؤلاء؟ راجعوا حساباتكم قبل أن تندلع ثورة الجياع ويكون مصيركم ما لا يحمد عقباه، ويتحطم كل شيء ونصبح بين ليلة وضحاها في وضع كنا نأمل أن يكون أفضل بكثير.