حملت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء المصري؛ د. عصام شرف، على رأس وفد كبير من وزارته إلى الخرطوم وجوبا بعد الثورة المصرية، مدلولات في غاية الأهمية، سيما وأنها أول زيارة خارج مصر بعد الثورة. وتمنح الزيارة في هذا التوقيت مؤشرات إيجابية على مستقبل العلاقات بين البلدين من جهة، وعلى مستقبل العلاقات المصرية الأفريقية من جهة أخرى، على اعتبار أن السودان سيكون مدخلاً قوياً لمصر لعلاقات أوسع مع القارة. حول مدلولات الزيارة وأهميتها في هذا التوقيت، وهل الحوار المصري السوداني سيكون امتداداً للحوار السابق؟ أم هناك رؤية جديدة للعلاقات بين البلدين؟ هل هناك إيجابيات في الحوار السابق يجب البناء عليها، أم أنه من الأفضل إلغاء كل ما مضى والبداية من جديد؟ هذه الأسئلة وغيرها وضعناها على طاولة بعض المختصين؛ فماذا قالوا؟ من وجهة نظر الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية؛ د. أماني الطويل، فإن زيارة رئيس الوزراء المصري؛ د. عصام شرف، إلى كل من الخرطوم وجوبا تعطي مؤشراً إيجابياً في ما يتعلق بالسياسة المصرية نحو أفريقيا، ومجيء السودان كمحطة أولى يعني ضمن ما يعني بلا شك إدراك الحكومة المصرية لأهمية العلاقات بين البلدين في مقبل المرحلة، كونه يمثل حجر الزاوية في التوجهات الجديدة للسياسات الخارجية المصرية. وتمضي الطويل في إفادتها ل«الأهرام اليوم» بأن الاختيار يعبّر عن طبيعة الاهتمام الذي توليه القاهرة للسودان بشقيه الجنوبي والشمالي، وتراهن في ذات الوقت على علاقات تعاون مع الطرفين، وعلى علاقات تعاونية بين الطرفين. الزيارة – وفقاً لمحدثتنا - عبّرت أيضاً عن أن القاهرة سوف تولي وجهها نحو أفريقيا في خطوة طالما نادينا بها، على اعتبار أن أفريقيا أساسية وإستراتيجية في السياسات الخارجية المصرية، مشيرةً إلى حديث «شرف» حول هذه العلاقات على أنها ستأخذ في الاعتبار المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والإجراءات المترتبة على هذه السياسات، مؤكدةً أن هذه الإجراءات سوف تساهم بشكل كبير في عودة العلاقات بين القاهرةوالخرطوم، وبين القاهرة وأفريقيا إلى مكانها المناسب لصالح شعوب النيل ومجمل الشعوب الأفريقية، بما لها من تأثير متوقع، في حال نهضتها، على مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية. وتقول « الطويل» إن مصر دولة مؤسسات، وأن التقديرات الإستراتيجية للدولة المصرية باتجاه السودان ثابتة، وزادت نتوقع أن تتغير الآليات المرتبطة بهذه الإستراتيجيات من حيث الفاعلية والحيوية، وربما تكون هذه النقاط ملمحاً أساسياً جيداً من ملامح السياسات المصرية تجاه السودان في الفترة المقبلة، وتوقعت أن السياسات تجاه السودان سوف تأخذ المصالح المرتبطة بكافة فئات المجتمع السوداني، وسوف تبتعد عن التعالي عن مصالح المجتمعات المحلية في حال وجود مشروعات مشتركة بين البلدين، معربةً عن أملها في أن تكون الفائدة مشتركة بين البلدين من أي مشروعات مستقبلية. وتنادي «الطويل» بتوسيع المصالح المصرية السودانية، بأن تكون أكثر شمولا بعيدة عن النظرة الضيقة التي حجّمت هذه المصالح في إطار المصالح المائية. وقالت إن الثورات في المنطقة أضافت مصالح الناس في العيش الكريم، ويجب أن تكون هذه المصالح هي الأساس في أي مشروعات تحت مظلة العلاقات المشتركة، سواء أكان لها طابع سياسي أو اقتصادي. من جانبه يرى رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية؛ هانئ رسلان، أن الزيارة لها بُعدان: الأول معنوي، فهي أول زيارة اتجهت نحو السودان، بما يعني التأكيد على طبيعة العلاقة الخاصة والمصير المشترك، أما البُعد الثاني فهو جوهري وهو قضية مياه النيل. «رسلان» اعتبر في إفادته التي خصّ بها «الأهرام اليوم» أن المياه هي الملف العاجل الآن بعد توقيع بورندي على اتفاق عنتيبي، لأنه سيضع الاتفاقية حيز التنفيذ، بما يجعل الحاجة إلى إستراتيجية جديدة، مؤكداً أن الزيارة إلى السودان بشطريه هي أحد المعطيات الأساسية في بناء هذه العلاقات المستقبلية، ويضيف أن الزيارة سوف تعكس هل الطرفان يعملان في ظل إستراتيجية مشتركة للحصول على حلول وسط تحول دون إلحاق ضرر، لافتاً إلى أن نتائج زيارة شرف للسودان سوف تشكل المعطيات الأساسية للموقف المصري الجديد تجاه السودان في المستقبل. كما يرى «رسلان» أن البناء على إيجابيات الحوار السابق بين البلدين سيكون مفيداً، ويقول إن الحوار السابق كان به الكثير من الإيجابيات على عكس ما يقول البعض، وأنه ربما كان بطيئاً، ولكنه كان إيجابياً في نواحٍ كثيرة، ويجب البناء على هذه الإيجابيات لصنع إنجازات كبرى، مبيناً أن الموقف المصري السوداني المشترك في قضية مياه النيل تعرض إلى حالة من الضعف والانكشاف بعد انقسام السودان، وقال إن توقيع بورندي على اتفاق عنتيبي جعل الموقف المشترك بين البلدين معزولاً وخلق أمراً واقعاً على الجانب القانوني والدبلوماسي. وطالب «رسلان» القاهرةوالخرطوم بدراسة متأنية لملف مياه النيل بعد المعطيات الجديدة التي طرأت عليه. أما نائبة رئيس قسم الشؤون العربية بجريدة الأهرام والخبيرة بالشأن السوداني؛ أسماء الحسيني، فقد اعتبرت أن العلاقة بين مصر والسودان إستراتيجية، ولا تتغير بتغيير الأنظمة والحكومات، معربةً عن ثقتها بأن الزيارة هي انطلاقة لصفحة جديدة قديمة يجب أن تكون متقدمة، وترى أن الاستقبال الحافل لرئيس الوزراء المصري والوفد المرافق له يعبّر عن أشواق السودانيين لعلاقة سليمة بين البلدين وأمل في علاقة متطورة لحل المشاكل، وتضيف أن مصر مختلفة بعد 25 يناير، وأن السودان أيضاً سيكون مختلفا بعد 9 يوليو المقبل، وبالتالي لا بُد أن يعاد تشكيل المنطقة من جديد، برسم خريطة جديدة لها، بعد التطورات السريعة والمتلاحقة التي شهدتها. وتشير «الحسيني» في ردها على «الأهرام اليوم» إلى أن الاستقبال الحافل والتصريحات الإيجابية التي صاحبت الزيارة تؤكد أن هناك استعدادات كبيرة لحل المشاكل، مضيفةً أن هذا مهم للمواطن العادي، وأن الحل وفق جداول زمنية سوف يعطي طمأنينية لمستقبل العلاقة بين البلدين، قبل أن تؤكد بأننا نحتاج لآليات جديدة بالانطلاق بمبادرة جديدة لحل المشاكل العالقة بين البلدين، وقضية مياه النيل، وتنادي بدور شعبي وإعلامي وثقافي لتقريب وجهات النظر بين البلدين.