يقال إن أمير دولة قطر؛ الأمير حمد بن خليفة آل ثاني يحكي كثيراً عن أول مقابلة له مع الرئيس البشير بعد إزاحته لأبيه وتوليه إمارة دولة قطر وقد كان الحديث الذي قاله له البشير يختلف تماماً عن كافة الأحاديث التي قيلت له في هذا الصدد المتصل بتوليه الحكم في بلاده وقد كانوا يهنئونه وينصحونه بالحذر ويقولون كلاماً كثيراً يمعن في المجاملة السياسية التي يلجأ إليها الزعماء والسياسيون في مثل هذه المواقف. يحكي الأمير أن البشير بعد أن تبادل معه التحايا بادره بسؤال لم يكن يتوقعه أبداً حين قال له: كيف أبوك؟ الأمير قبل أن يجيب استغرب من السؤال ثم رد على البشير: بخير والحمد لله. فأردف البشير قائلاً: خلّي بالك من أبيك والحكم زائل وأن الله سوف يسألك عنه يوم القيامة. يقول أمير قطر إن هذا الحديث الذي سمعه من الرئيس البشير لم يسمعه من أي زعيم عربي آخر وأن حديث البشير ترك أثراً عميقاً في داخله وشكل نقطة تحول كبيرة حياته وهذا ما جعله ينظر للبشير بكثير من التقدير والاحترام وأن مثل هذه الكلمات لا تخرج إلا من رجل كبير وعظيم يترفع عن النفاق والمجاملة السياسية ويقدم نصحه بما يمليه عليه ضميره. حكاية أخرى من دولة قطر بطلها وزير الدولة بالخارجية القطرية؛ أحمد عبد الله آل محمود، وقد حكى لي رجل أثق في روايته أن هذا الرجل القطري الرائع أرسل أخاه ليقدم الدعوة لمجموعة من جيرانه السودانيين المقيمين بدولة قطر لحضور حفل غداء بمنزله أقامه احتفالاً بالوفد السوداني المفاوض وفي اليوم التالي وهو اليوم الذي يسبق الدعوة بيوم حضر هو شخصياً ليؤكد الدعوة ويصر على عدم التخلف عن إجابة الدعوة وبالفعل حضر جيرانه السودانيون قبل الوفد المفاوض وكانوا في استقباله مع صاحب الدعوة وعندما حضر الوفد بدأ الوزير القطري يعرّف الوفد بجيرانه السودانيين فرداً فرداً وبالاسم والوظيفة التي يشغلها وقد كانت هذه الحادثة مفاجأة سعيدة للطرفين أظهرت جمال وكمال وطيبة وروعة الشعب القطري وتفانيه في خدمة وحب الشعب السوداني. تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ خبراً بصحيفة (الوطن) الصادرة أمس يفصح عن توجيهات كريمة صدرت من أمير دولة قطر بإجلاء كافة السودانيين العالقين بتونس ومصر القادمين من ليبيا إلى بلادهم براً وجواً على نفقة الحكومة القطرية وفي البال الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة القطرية وبالذات ذلك الرجل الفريد أحمد عبد الله آل محمود من أجل إحلال السلام في دارفور بالرغم من العقبات الكثيرة التي يضعها الرئيس الليبيي معمر القذافي والمصري حسني مبارك في طريق التسوية الشاملة لهذه الأزمة وبالرغم من المواقف المتشددة لحركات دارفور وإقامتهم الطويلة في فنادق الدوحة والمصروفات العالية التي تتحملها قطر وهي تبشِّر أهل دارفور بدعمها السلام حال توقيعه بمليار دولار تصرف على تنمية الإقليم. قد يعتقد كثيرون أن قطر تتحمل كل ذلك من أجل أن تأكيد نفوذها وعلو شأنها وريادة دورها وتأثيرها في المنطقة ولكن الحقيقة التي تقف خلف هذه الجهود القطرية مفادها أن قطر تَكِنُّ لشعب السودان كل خير وتبذل كل غالٍ ونفيس لمساعدته وقد حظي السودانيون بهذه المكانة العظيمة عند القطريين بفضل خصالهم ونبلهم وحسن أخلاقهم وأمانتهم ووفائهم وهذا ما بدا للناس من حولنا وأدركوه حقيقةً في طباع شعب السودان وقد بذر هذه البذرة التي صارت شجرة باسقة أناس كثيرون من بني جلدتنا جمعتهم المجاميع بأناس من القطريين بدءاً بما اجتمع عليه الرئيس البشير وأمير دولة قطر وحكاية أول مقابلة بينهما خرجت كلماته من رئيس يعرف ماذا يريد أن يقول واستقرت داخل قلب كبير ينبض فطرة سليمة تسمو بأميرها كريماً ونبيلاً وعظيماً.