أكّان بالمراد واليمين مطلوق ما بشنق ود أبكريك في السوق قيل أن هذه الأبيات التراثية الرائعة قد قيلت في البطل التاريخي الضخم (ود حبوبة) لما شنقه المستعمرون ثم علقوا جثته على واجهة سوق المدينة. شقيقته التي كانت تمر من أمامه يومياً هي من طرحت هذه القصيدة وذلك التساؤل، أما آن لهم أن يستروا جنازته! { وفي المقابل، مؤسسة الملاذات، الجناح التوثيقي، تتساءل، ونحن نمر يومياً بهذه اللافتات الوحدوية المشنوقة أو قل التي تدعو إلى الوحدة، نتساءل متى يسترونها، متى يسترون شعارات الوحدة بعد شنقها وصلبها وذبحها من الوريد إلى الوريد، فلا زالت تلك اللافتات المصلوبة على جدران المدينة وأستارها، لا زالت تدعوننا إلى الوحدة، فهنالك لافتة أكثر ابتذالاً تملأ عليك كل الأفق وأنت تعبر إلى الخرطوم بجسر القوات المسلحة، تدعوننا إلى ما يشبه «الجس بعد الذبح» وهي تقول: «قوتنا في وحدتنا»، أما وقد ذبحت الوحدة «بسكين ميتة» فربما يراد ذبحنا نحن على الطريقة الخليجية، عندما يقول أحدهم: «يا شيخ لا تذبحنا»، إنهم لعمري يذبحوننا بهذه الشعارات التي لا تحترم مشاعرنا، مشاعرنا نحن جموع المارة والمستهلكين لما يكتب على الجسور والطرقات. { أو ربما تود الحكومة أن تقول «إنها شهادتنا للأجيال والتاريخ»، فعلى الأقل لم يقد «قميص الوحدة» من قُبل، فلقد قد من دُبر، وإنه من كيدكن وإن كيد الحركة لعظيم، وذلك بانتظار اعترافات الحركة الشعبية على طريقة اعترافات امرأة العزيز «فالآن حصحص الحق»، والحركة الشعبية لن تجرؤ على الجهر يوماً بأن قرار ذبح الوحدة قد اتخذ أولاً في مدن «تنوم وتصحو على مخدات الطرب»، قبل أن يرحل ذلك القرار إلى الاستوائية ومقاطعاتها و.. و.. { وهي على أية حال قصة لا يصلح لها الآن البكاء، فحتى الذين دخلوا في حالات حداد فإنهم بهذا (الأبريل) من الشهور يكونون قد تجاوزوا فترة الأربعة أشهر وعشراً، فيفترض أنهم يتطهرون ويتطيبون ثم يذهبون لغسل مدينتنا وتطهيرها مما علق بها وعليها من أدران الوحدة ورجس الانفصال، أم يا ترى أن القصة مختلفة تماماً وليس لها علاقة بالمشاعر وأنها قصة حساب وأرقام، بحيث إن الشركات الإعلانية التي أوكل لها عمليات الترويج للوحدة قد أنجزت مهمتها وأخذت فلوسها على (داير المليم)، وانصرفت، على أن عمليات إزالة مخلفات الوحدة ليس لها عطاءات ومستحقات جديدة أم أن القوم يا ترى ينتظرون شهر يوليو الذي تنتهي عنده الفترة الانتقالية، لنغني في ذلك اليوم، نغني تلك الأغنية التاريخية مقلوبة «اليوم ننزل راية الوحدة»، بدلاً عن «اليوم نرفع راية استقلالنا»، ليكون من ضمن الأشياء التي سننزلها في ذلك اليوم شعارات «وحدتنا في قوتنا»، لنذهب مباشرة إلى شعارات «وحدتنا في قوتنا» والله أعلم. { لكننا إذا عدنا لصدر محفل مقالنا فربما كانت هنالك علاقة بين عمليات «شنقنا الأول» وصلبنا الثاني، وربما أيضاً كانت القصة واحدة، برغم أن المسافة بين الجريمتين قرن من الزمان، فالمستعمر الإنجليزي هو من قام بشنق تاريخنا وبطلنا (ود حبوبة) في القرن التاسع عشر، والمستعمر ذاته هو الذي أصدر مرسومه وأرسل تعليماته في يناير 2011م بشق السودان وشنقه، وهذه المرة الشنق يتم عن بعد وبأيادٍ سودانية، على الأقل، لتتمكن قناة الجزيرة من إعلان الخبر بأن السودانيين يشطرون دولتهم إلى نصفين، لتبدأ في الجنوب الجمهورية الأولى، ونذهب نحن إلى الجمهورية الثانية. صحيح أننا قد لا نحتاج إلى علم وشعار جديدين، لكننا حتماً سنحتاج إلى خريطة جغرافية جديدة، ليس بها بحر السوباط وبحر العرب، وربما احتجنا لعثمان حسين لحظة الوداع ليغني «وافترقنا كل واحد في طريقه» و.. و.. مخرج.. لكنكم سادتي في زحمة جمهوريات السودان على مسرح يوليو القادم، أرجو ألا تنسوا أغنية «اليوم ننزل راية استقلالنا وينكس التاريخ وحدة شعبنا» ثم يقوم المجلس الوطني بإنزال تلك اللافتات المشنوقة.. لتكتمل عمليات استقلال جمهوريتنا الثانية ويذهب الإخوة الجنوبيون لصناعة سنة أولى جمهورية.. عاشت الجماهير الحرة .. عاشت الجمهوريات السودانية، فكل جمهورية وأنتم بخير..