منى عبدالرحيم - تكتب من الشارقة يا الله.. يا الله.. يا الله يا من إذا ضاقت النفس عن النهي وأيست عن التناهي، فرجتها في دقيقة من حسن صنعك ليس لها من دون الله كاشفة «خمسون مرة». هي ضمن مخطوطات من الأوراد التي تلازمه، فالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى الشافي الكافي المعافي هو الأمل الوحيد الذي يتشبث به أبو السيناريو في السودان الأستاذ الرائع أمين محمد أحمد، الذي يصارع المرض وهو طريح الفراش بمستشفى أبو ظبي بدولة الإمارات العربية تحت إشراف أطباء أكفاء بعناية طبية فائقة. التقيناه في زيارة خاصة كان لها الوقع الكبير بالنسبة له ولنا جميعاً؛ الذين أحببناه بصدق كمبدع سطر اسمه في قائمة الكتاب الذين كسبتهم الدراما السودانية، وهو الفنان ذو القدرة الخارقة في التفسير والصادرة عن رؤية فلسفية خاصة. بدأ الأستاذ أمين في كتاباته بقوة وصبر ليؤسس لحالة كتابية ممتعة كانت وليدة صورة مجتمعية متخيلة بمستوى الطموح الحضاري والتطلع إلى خلق عالم مناهض ساحر بمخيلته التعبيرية، فكرس هذا الحلم الكتابي بشكل مثير في كتاباته. في فترة إدارته لقسم الدراما بالإذاعة السودانية كان هنالك تدفق في الأعمال الدرامية الجيدة التي شارك فيها الكثير من الكتاب المتميزين، حيث ظلت تتوالى الأعمال بلا توقف من تمثيليات قصيرة وسباعيات ومسلسلات طويلة شارك فيها بالعديد من الأعمال الرائعة، فقد كان بارعاً في كتابة السيناريو، يعطي درامياته فضاءات واسعة، ويرصد انعكاسات في حياة شخصياته تتجلى غرائبيتها الكامنة في انفجارات الذات نحو آفاق واسعة من حالات كتابة عمادها التقاط الموارى في الذات وانضغاط الكبت والحرمان والقمع والغربة التي يعاني منها. يقدم آراءه الخاصة بطريقة السرد والحوار ليشكل استجابات المشاهد أو المستمع للفعل والشخصية فيؤثر في عقل المتفرج، هذا التأثير الذي يقوده تجاه نتيجة موقف ابتعاد ساخر. يتناسى الألم ويضمد جراحه باحتضان المسرحيين له واجترار الذكريات بحديثه عن «الدراما زمان»، التي رسخت في أذهان كل من عاصروها وهو على منوال الثوار الدراميين الذين يستمدون قوتهم من تصادم النظرية مع نقيضها ويبتعدون عن النظريات الزائفة بطرحهم للصراع بين العقل والغريزة وبين الرزيلة والفضيلة وبين الجبن والبطولة، فيشير إلى الحياة الطيبة في كتاباته يقول الأستاذ أمين إن الدراما السودانية الإذاعية تحتل مركز الصدارة وهي تتفوق درامياً، لكن الدراما التلفزيونية قد تعثرت نسبة لظروف كثيرة أهمها هضم الحقوق وظروف الإنتاج مما جعل الكتاب يتقدمون خطوة ويتراجعون خطوات ونتاج ذلك ضعف وتدهور لعدم إتاحة الفرص لطرح الأفكار المواكبة. تحدث عن الظلم والاحتفاظ بموقفه الهادئ الذي يقفه الفيلسوف عادة محتفظاً بابتسامته دائماً تعبيراً عن الأمل في أجيال المستقبل. الأعمال التي قدمها أمين أعمال كثيرة قام فيها باكتشاف الأبعاد الحقيقية للواقعية التي تقوم على الصدق في الكلمة وفي الأداء وفي تحقيق الإطار المادي الذي حقق من خلاله التجربة المتكاملة التامة بنجاح كبير وهو يسخر فيخلق بطلاً إيجابياً ويصور الإنسان بدقة فيتخذ مواقف قوية، تتجلى في كتاباته القوة والتوازن الدقيق بموضوعية ورسوخ وتحريك للحدث من خلال تلاحم الشخصيات وتحريكها تحريكاً موحياً بالمعنى في نطاق الوحدة الفنية للعمل والتي تسبق العمل الموحد وتخرج به من نطاق الحكاية إلى نطاق الفن الشامل، فيحرص على تنظيم النبض الذي يعتمد على قدرته ككاتب في تجسيد الحقيقة في مواقف واضحة بدلاً من الاكتفاء بتقريريتها، وعلى إظهار الحقيقة بمتناقضاتها وبوجه واحد من وجوهها، هذا هو التكنيك الذي يستخدمه أمين محمد أحمد دوماً والذي تتجلى فيه السمة الأخلاقية، آملين أن يتحقق حلمه بأن لا يتوقف كتاب السيناريو الرواد والشباب وأن يساهموا في كسر الحواجز، فيشغله الآن ابتعاد الكتاب الدراميين وإحجامهم عن التأليف لعدم تمويلهم مما أدى إلى فقدان التوازن بين غزارة الإنتاج وندرة عرضه، فقد قدم العديد من الأعمال التلفزيونية التي لم يتسلم مقابلها حقوقه، وهذا حال كل الدراميين المظلومين الذين يتلقون الوعود في نيل أجورهم من تلفزيون السودان. فأمين لا يقف في صراع كموقف المواجه من أجل نيل حقوقه لعوامل كثيرة. على أي حال أياً كانت الأسباب التي تدفع كبار المؤلفين إلى الإحجام عن الكتابة أرى أن احتضان الدولة جميع المبدعين من كتاب الدراما هو الخلاص ونقطة الانطلاق لحل الأزمة التي تمر بها الدراما اليوم، ومن الأهمية أن يواصل الرواد والشباب المساهمة بتناولهم لقضايا المجتمع ما دامت تحتوي على أفكار وقيم إنسانية. هذا ما يتمناه أبو السيناريو أمين محمد أحمد وأن تفتح النوافذ لتطل الأعمال فتحذو حذو الصوتيات والمرئيات العالمية، ونحن كاتحاد عام للمهن الدرامية وكجمعية كتاب الدراما السودانيين نسعد بهذه المقابلة المهمة والزيارة الإنسانية، ونتمنى لأمين الدراما السودانية عاجل الشفاء ونشكر قناة الشروق لاهتمامها بالدراما والدراميين وحرصها على بث هذا اللقاء لكي يطمئن السودانيون على أحد أبنائهم المبدعين. لنا لقاء