والقلب مصائبه كثيرة في هذا البلد، تبدأ بالوجع النظري المتداول مع كل أمر لم نحسن فهمه أو لم يحسن هو التعاطي معنا، وتنتهي بكل ما لا نحب أن نعيشه زماناً ومكاناً، وهذا أمر أيضاً عجب. لكن العجيب في القلب الآن هو إجراء أمني شرع به مستشفى شهير جنوب غرب الخرطوم، وهو واحد من أهم المستشفيات العاملة في مجال القلب، ربما ليس في السودان فحسب إنما القرن الأفريقي، إذ تشهد له الكثير من العمليات المهمة والحساسة. ومهم أيضا أن نعرف أنها شراكة أجنبية وسودانية لخدمة مرضى القلب بعمل طبي أقرب إلى الطوعي منه إلى الاستثماري. والإجراء المذكور أعلاه يتعلق بتفتيش يتم مؤخراً للسودانيين العاملين في المستشفى عقب أحداث سرقات متفرقة لا تدخل فيها المعدات الطبية ولا الأدوية، إنما المتعلقات الشخصية من هواتف نقالة ومبالغ مالية.. الخ. إلى هنا ويمكن أن يكون الأمر عادياً جداً ويخص جداً إدارة المستشفى بما تراه يحقق الأمن والأمان داخلها، لكن المزعج والموجع أن التفتيش يتم للعمالة السودانية فقط دون غيرها، التي هي من مختلف الجنسيات الأخرى الأفريقية والآسيوية والأوربية، بجانب المرضى الأجانب من خارج البلاد الذين يتم إنزالهم باستراحة - جميلة - تتبع للمستشفى لحين تمام علاجهم. ومعالجة أمر السرقات شأن لا يعنينا بقدر أهميته لإدارة المستشفى والعاملين، لكن ما يهمنا هنا الفرز السالب للسودانيين بالتفتيش دون غيرهم من العمالة، وبمختلف أعمالهم من الكادر الطبي إلى الوظيفي، فقد رأت إدارة المستشفى أن تقوم بهذا التفتيش الخاص بالسودانيين فقط باعتبارهم الأقرب إلى سرقة من غيرهم! ودون وجود دليل مادي يقضي بمعالجة أمر المشكوك فيهم لتحويلهم إلى الجهات المختصة بفتح بلاغات في مواجهتهم، وكل ما تتم الإجابة عليه أن هناك شبهات غير مبررة بدلائل ولا أشخاص. إن تحديد التفتيش الشخصي للفرد بالتحسس والتدقيق في كل ما يحتويه ما بين ملابسه أو ملابسها، دون الاكتفاء بالحقائب التي يمكن أن تحمل المسروقات، أمر فيه الكثير جداً من الشعور بالإذلال والإهانة، خاصة إذا كانت هناك شبهة تمييز سلبية لفئة دون غيرها من العاملين، بغض النظر هنا عن حالة السودانيين الذين مضى بعضهم ممن يظنون خيراً في عدالة وزارة الصحة برفع شكوى ممهورة بإمضاء أكثر من تسعين موظفاً في الكادر الصحي، لكن الشكوى خرجت ولم تعد حتى الآن برد يشفي جزءاً من ثقبهم القلبي في إدارة عملهم، فما كان منهم إلا أن رفضوا الدخول إلى المستشفى إذا كان عبر التفتيش. بالمناسبة يتم التفتيش على مرتين، صباحاً في تمام الثامنة من توقيت العمل ومساءً عند السابعة لمواقيت الوردية الثانية. وهو رفض اعتبرته إدارة المستشفى المعنية عصياناً عليها وعلى العمل بلوائحها الأمنية والتنظيمية مما دعاها لتهديدهم بالفصل الجماعي إذا لزم الأمر! وما يلزم تناوله في قضية كهذه تعتبر إلى حد ما محدودة بمطلب مختلف عمّا ينادي به أطباء اللجان الثورية ذوو الاعتصامات الفطيرة، هو الشبهة المسيئة جداً للسوداني داخل بلده، وبالإجماع المؤذي للكثيرين الذين هم بالتأكيد لا علاقة لهم بأمر السرقة وخيانة الأمانة التي قام بها فرد أو اثنان على الأكثر، حتى لو كانا من العمالة السودانية، لكن أن يتم الأمر بنظرية أن الشر يعم وبدون تفاصيل أوفى تعطي كل ذي حق حقه من الأداء والنزاهة، فهذا ما سبب الأذى النفسي لهم ولنا. فكيف تعمل إدارة المستشفى المعنية على شفاء اعتلال القلوب السودانية ثم تقوم بتفتيش غرف ذات القلوب لمعرفة نوايا السرقات فيها ولو بتفصيل صغير لا يذكر؟ إن ذكر موضوع كهذا في هذا الوقت الحساس تجاه كل ما يتعلق بقضايا الصحة في السودان، وخاصة حينما يخرج من مستشفى تعتمد إدارتها الأجنبية نظاماً علاجياً لا يمكن الاستغناء عنه، مقابل حفنة شرفاء اغتاظوا لتفتيش مسيء إليهم وإلى خدمتهم طوال سنوات في المستشفى، ولن يزيد عددهم مهما تشجعوا في الاعتصام والشجب عن المائة، فإنه لا شك سيجعل منهم عصبة غير محبوبة ومتجاهلة من وزارة الصحة التي تتقاعس عن أداء واجبات منسوبيها، فما بالك بحقوقهم، وسيزيد من وجعنا كفئة لا تستطيع مساعدة أصحاب القضايا لا بفعل اليد ولا اللسان ولا القلب، حيث أنه هنا أضعف مكان.