خرج عيسى أحمد هداب يوم الثلاثاء ليبحث عن رزقه في أرض الله الواسعة آملاً أن يعود ببعض ما يتمناه ويحلم به في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة على كل أهل الأرض.. أدى صلاواته ورفع أكفه طالباً أن يعطيه الله سبحانه وتعالى ما يسيّر به حياته اليومية ليكون مصيره أن يتوزع على بقاع الأرض أشلاء جراء صاروخ إسرائيلي رماه قتيلاً ويودع هذه الفانية دون ذنب جناه سوى أنه يعيش في السودان.. أحمد جبريل هو الآخر رجل من العبابدة المخلصين لوطنه ومحب لأسرته الكبيرة يحلم بغد أفضل وحياة كريمة، تحول في دقائق معدودة إلى رماد تطاير هنا وهناك بالقصف الإسرائيلي على مدينة بورتسودان.. مات عيسى ورحل أحمد دون ذنب لتخرج علينا إسرائيل بتبرير واهٍ مدعية بأن السودان به أحد أبناء حماس؛ إحدى الحركات الفلسطينية، حسب المعلومات الواردة إلينا. وما بين دهشة واستغراب وحسرة من قبل مواطني السودان على هذا الاعتداء الغاشم تخرج علينا حكومتنا الموقرة بتصريحات باهتة واستعراض للعضلات في غير مكانه.. بل ونفي بعدم وجود أي عضو من حماس في السودان.. كأنها تخشى أن تعاود إسرائيل عليها العدوان. كنا نتوقع تصريحات أقوى وتصحبها أفعال وخطوات عملية حتى يحس أبناء السودان بأنهم يعيشون في أمان واستقرار وأن ما حدث لن يتكرر مرة أخرى حتى تزيل هذا الذعر الذي أصاب الناس وأضحوا يتحركون في حدود، خوفاً ورعباً من صواريخ أخرى ربما تكون في الطريق. حسرة الأسر السودانية على الشهداء وما حدث في بورتسودان سيطر على الناس بصورة كبيرة في أي مكان، بل صار الحديث والشغل الشاغل لهم، وكل يدلي برواية مختلفة عن الحادثة ويزيد فيها حسب هواه.. انشغل الناس بهذه الحادثة حتى عن الزيادات وصعوبات الحياة اليومية وضعف المرتبات وغيرها.. وصمت كبير من قبل شرائح أخرى وتهكمات من قبل بعض أعضاء المعارضة وكأنهم يريدون الاصطياد في المياه العكرة بأن الحكومة أضحت غير قادرة على حماية السودانيين حتى داخل المدن المعروفة.. تلويح بورقة مجلس الأمن من قبل الحكومة وكأنهم يحلمون بأن هذا المجلس سيعاقب لهم إسرائيل.. ومنذ متى عاقب المجلس إسرائيل أو لوّح بورقة تهديد لها في يوم من الأيام.. وإذا كان المجلس يا هؤلاء قادراً على فرض عقوبات على إسرائيل لما كان الأطفال يموتون رمياً بالرصاص في شوارع غزة في كل رأس ثانية، ولما كانت الأمهات والرجال من الفلسطينيين في معتقلات اليهود منذ أمد بعيد وحتى الآن يتذوقون العذاب بكل أنواعه من أجل حرية فلسطين التي يبدو أنها لن تكون. ألم تحسوا بأننا كمواطنين نتمنى أن نعيش في أمان، والأمان فقط، وأن ننام مطمئنين وسنسى الجوع والعذابات الأخرى والتفكير في وطن صار مقطعاً ومجزءاً.. جنوبه يبحث عن مصيره في تأسيس دولة منفصلة له وعملة تمثله وعلم ولغة أخرى لتقوم دولة أضحت جارة بالنسبة لنا. وغرب مجروح وعذابات يومية لأبكر وخديجة، ومعسكرات ما زالت منصوبة وتصريحات لقادة غير مسؤولين من أهل دارفور ومطالب غير واقعية، وحرب تدور من حين لآخر كورقة ضغط على الحكومة وإنذار بالتدخل الأجنبي بحجة حل المشكلة ومرارات يومية لا نعرف مصيرها. والبعض يتحدث عن مطالبات في الشرق بالانفصال بعد معاناة من التهميش وعدم وجود بنى تحتية تشعرهم بأن أهل الشرق من اهتمامات الدولة في إطار سعيها لخدمة البلاد. كثير من التفاصيل نعيشها بصورة يومية ونراقبها بصمت، ونحلم بأن تكون لها حلول ومعالجات ولكن لا تزال في مكانها وما زال الاهتمام بالقضايا الانصرافية هو المسيطر على مقاليد الأمور في السودان.. حرائق وضغط وصبر وعذاب وفقر وجوع وحرب ولك الله يا سودان! آخر السطور سألتني صديقتي: هل فعلاً ليس هناك أي وجود لأبناء حماس في السودان؟ وهل من الممكن أن تتابع إسرائيل؛ دولة الاستخبارات الأولى، وتقرر وترسل صاروخاً وتضرب بمعلومات مغلوطة؟ صمت تام..