{ لفت نظري في هذه الصحيفة يوم الخميس الماضي إعلان ما يبدو أنه مدفوع القيمة باسم سفارة السودان بالهند وهو في حقيقة الأمر خطاب روتيني بين السفارة وديوان الزكاة لشكرها على إسهامها في حل مشكلة طالب يدرس بالهند عجز عن إكمال الرسوم الدراسية وتمكن بعون الله ومن مال الزكاة من الجلوس للامتحان ومن ثم استخراج الشهادة بل وأفاض الإعلان بأنه الآن وبتوفيق من الله وفضل تم استيعابه للعمل بإحدى مؤسسات النفط كما قال الإعلان. انتهى. { أعتقد أن الإعلان سواء أكان محسوباً على السفارة أم ديوان الزكاة أو حتى إذا نشرته الصحيفة مجاناً؛ يندرج في إطار المن والأذى والتشهير بأحد المصارف التي وردت في القرآن الكريم كمستحق لمال الله وليس مال الديوان. { ويمثل الإعلان أنموذجا لإهدار المال العام والتصرف فيه بتفويض مطلق سواء من مال السفارة أم الديوان ويتعين على الجهات الرسمية سواء الخارجية أم مجلس أمناء الزكاة تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الدوافع وراء الإعلان وهل هي البحث عن أمجاد شخصية للسفير وأمين الزكاة أم إصرار على إهدار المال في ما لا طائل من ورائه. { ونحسب أن قيمة الإعلان إذا كانت مدفوعة كفيلة بفك عسر آخرين يحتاجون إلى عون الطرفين معاً ولسد الذرائع حتى لا يتصرف البعض في المال العام وكأنما هو شخصي وحتى لا نتهم الجهات المسؤولة بترك الحبل على الغارب وفي غياب الرقابة تنشط الممارسات التي لا تتسق وجهر التكليف للجهتين المذكورتين. { فحوى الإعلان عبارة عن خطاب عادي كان بمقدور السفارة إرساله بالفاكس أو البريد الإليكتروني أو حتى إذا تعذر أو لضرورة “المنجهة” و”الشوفونية” أن يبعث عبر الحقيبة الديبلوماسية وليس بالضرورة أن يكون عبر الصحف لأن عمل الخير لا يحتاج إلى الإعلان والأضواء والطبول. { لسنا في مقام الفتوى في الأمور الدينية ولكننا نحسب أن أعمال الخير يجب أن تكون في صمت وقد نهانا المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أفضل خلق الله عن الامتنان وكان يقدم بيمينه ولا تعلم شماله. { يجب على وزارة مجلس الوزراء تنبيه كل الوزارات والدواوين التي تظن نفسها أكبر من المحاسبة والعقاب إلى أن كل أعمالها ينبغي أن تتماشى مع القوانين المرعية ناهيك عن قوانين السماء وسنة أفضل البشرية وسيد الخلق أجمعين. { نلاحظ أن بعض المؤسسات تقيم الحفلات وتنشر الإعلانات وتهنئ الأفراد والمسؤولين رغم سياسة التقشف التي انتهجتها وزارة المال ووجهت المواطنين بتحمل تبعاتها والعودة إلى عواسة الكسرة إذا ضاق الحال ونحسب أن هذا الخطاب موجه بالدرجة الأولى إلى الوزارات والصناديق وكل المؤسسات الإيرادية أن تورد المال لصالح المالية ولا تجنِّب منه للإنفاق والصرف خارج دائرة المنصوص عليه. إعدام السين وسوف!! { المتابع لحالة الاقتصاد السوداني صعودا وهبوطا خلال السنوات الفائتة يلاحظ تماسك الجبهة الداخلية والتفاف المواطنين خلف القيادة واقتسام الهم واللقمة وامتصاص القرارات الاقتصادية القاسية التي أثرت مباشرة على المعاش فيما تراجع اهتمام الدولة بالصحة والتعليم قبل أن يتلاشى نهائيا وفي غياب التعاونيات أصبح المواطن فريسة لغول السوق الذي لا يرحم وفي ظل سياسة التحرير التي التهمته لقمة سائغة والدولة تتفرج. { ولا تزال كل المؤتمرات والندوات والورش والخطط الإستراتيجية تتحدث بلغة سوف نعمل وسنزيل مما حتم إعدام السين وسوف لأن المواطن المطحون يبحث عن نتاج كل هذه الدراسات والأنشطة على أرض الواقع ولا يحصد إلا الحصرم. { قبل أيام قال أحد أعضاء اتحاد أصحاب العمل إن خصخصة شركات القطاع العام الحكومية أسهمت في انخفاض الأسعار وهذا القول مردود لأن ارتفاع الأسعار سببه جشع التجار وبحثهم عن الثراء الفاحش على حساب قوت الشعب المطحون بالغلاء وسببه غياب الضمير الوطني واللهث المتسارع للغنى كيفما اتفق دون وازع من أخلاق أو دين وتخلي كل التجار عن قيم التكافل والتعاضد والتراحم ولهذا ظهرت رؤوس الأموال الطفيلية كالنبت الشيطاني وباتت تتحكم في معاش الناس وأرزاق العباد. { لا تنتظروا رحمة من التجار ورجال الأعمال فهمهم الأول الكسب السريع وتنامي الأرصدة واللحاق بالمليارات، الحل بين أيديكم أيها السادة الفوق. { على السلطة أن تعيد فورا تجربة التعاونيات لإنقاذ المواطن من غول السوق الذي لا يرحم وعلى السلطة ألا تتخلى عن المواطن الذي ربط بطنه وقبض على الزناد وجاهد وقاوم وصبر وصابر ونجح في كل الامتحانات والابتلاءات التي مر بها السودان وصمد في وجه الحصار الخانق وتحمل الأذى في صبر وجلد وبات يستحق عطف السلطة وحنانها بقرار نافذ يعيد التعاونيات ويرفع عبء الصحة والتعليم عن محدودي الدخل.