نحرص بصفة عامة على العدل والإنصاف والحقيقة، ونتحاشى الظلم بقدر الإمكان. وكنا قلنا أمس أن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك كان يتلقى العلاج في الخارج أيام كان رئيساً. والحقيقة أنه لم يكن الحاكم العربي الوحيد الذي يتعالج خارج البلد الذي يحكمه، فمعظمهم عند المرض يسافرون إلى أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وكان من معاني ذلك أنهم لم يؤدوا واجباتهم الرئاسية أو الملكية على الوجه الأكمل، التي يدخل في صميمها توفير العلاج داخل بلدانهم. ولقد تضطرهم بعض الحالات إلى استقدام كبار الأطباء والجراحين العالميين. ومن الحقيقة أيضاً أنه حتى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان يُحظى بشعبية عالية في مصر والعالم العربي وكانت نزاهته ووطنيته فوق الشبهات، كان يتلقى العلاج خارج مصر وفي الاتحاد السوفيتي على وجه التحديد. وكان العرب خاصة المحيطين بالرئيس أو الملك يتستّرون على مرضه، ولم يعرف المصريون مثلاً أن الرئيس حسني مبارك كان يعاني سرطان البنكرياس إلا بعد إزاحته عن الحكم في 11 فبراير الماضي. ولما أصاب المرض الرئيس عبدالناصر بعد هزيمته الساحقة الماحقة في حرب يونيو 67 أخفى المحيطون به وفي مقدمتهم رئيس تحرير «الأهرام» الذي أصبح وزيراً للإعلام عام 1970م الأستاذ محمد حسنين هيكل.. أخفوا جميعاً طبيعة وحقيقة مرض الرئيس عبدالناصر. وإذا كان مبرراً التستُّر على مرض عبدالناصر الذي كانت قواته تنازل الجيش الإسرائيل أثناء حرب الاستنزاف حفاظاً على الروح المعنوية للمقاتلين المرابطين على ضفة قناة السويس استعداداً لعبورها وتحطيم خط بارليف وتحرير سينا. فإنه لم يكن هناك ما يستدعي إخفاء مرض الرئيس مبارك خلال فترة حكمه لمصر التي بلغت ثلاثين عاماً تقريباً، فلم تكن هناك حرب فقد تحقّق «السلام» بين مصر وإسرائيل بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أُبرمت في 26 مارس 1979م. إن المرض ليس عيباً وليس هناك إنسان مهما يكن شأنه في هذه الحياة الدنيا محصّن ضده فالناس جميعاً وفي المقدمة منهم الأنبياء والشهداء يمرضون، فهؤلاء أعلى قامة ومكانة من كل الآخرين بمن في ذلك الرؤساء والملوك. ويؤكد ذلك ما جاء في القرآن الكريم «وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجَيئَ بِالنَّبِيِينَ وَالشُّهَدَاءَ....»الآية. فإذا كان هؤلاء تعرّضوا للمرض فما الغريب أن يمرض الآخرون من أمثال جمال عبدالناصر ومحمد حسني مبارك وبقية العقد الفريد من الحكام منذ مينا وبعانخي وترهاقا؟، مع الاعتذار لمحبي عبدالناصر على المقارنة بينه وقد صُنِّف بطلاً قومياً رغم الهزيمة، وبين الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وإن اقتصرت المقارنة على المرض.