أخي الأستاذ عبدالباقي تحية واحتراما أستميحك عذراً في الاطلالة عبر عمودك المقرؤ لأعبر عن عمق حزننا على فقد دكتور مكي سيد أحمد والذي سيظل يعتمل في دواخلنا نحن؛ كل من تلقى على يديه علوم الموسيقى من طلاب الدفعات الأولى ومن زملائه وأصدقائه ومن كل أسرة الحراك الغنائي الموسيقي عبر عقود ستة.. حزن من لا يفاجئه موت عزيز ولكن يفجئه ذلك لأن الفراق صعب وعسير وأليم لمن هم في قامة وعلم وإنسانية مكي سيد أحمد. أحاول هنا وأنا في غمرة حزني على أخ وصديق وأستاذ وفنان مبدع أن أغالب حزني وأكتب في سيرة الفقيد قليل أسطر انفلتت من الذاكرة الملتاثة. في اعتقادي أن مكي سيد احمد - رحمه الله - كانت تتجسد فيه مواهب وملكات ندر أن نجدها في غالب من يشتغلون بالموسيقى وعلومها والبحث فيها. مكي سيد أحمد مندفعاً بإرثه الصوفي (الإسماعيلي) جرت في عروقه أنغام وايقاعات المديح والذكر، كان مهيأً لينطلق بموهبة كامنة ويقدم نفسه ليزخم حركة الغناء والموسيقى كأحد أمهر عازفي الأكورديون والكمان في مدينة الحديد والنار عطبرة وعاصمة الثقافة والفنون في الشمال.. وكان من المؤكد أن تندفع به موهبته إلى أم درمان قلب السودان النابض بالشعر الفنون والصوفية والفنون وإذاعة هنا أم درمان ونادي الفنانين واستقر في الإذاعة موسيقياً وإدارياً حتى نهايات ستينات القرن الماضي لينطلق مهاجراً في البحث عن دراسة الموسيقى السودانية وبحوثها العلمية في دولة بلغاريا ويعود منها في مطلع السبعينات أستاذاً للعلوم النظرية الموسيقية في معهد الموسيقى والمسرح (القواعد- الصولفيج- الهارموني- نظريات البحث العلمي). مكي سيد أحمد لم يكن أستاذاً ولكنه كان بحراً من علوم ومعرفة وثقافة عالية راقية ولم يكن يقف بمنأى عن مجريات الأحداث التي مر ويمر بها الوطن، فهو الذي لحن نشيد (المتاريس) الذي أداه الفنان محمد الأمين عند اندلاع ثورة أكتوبر 1964م كرد فعل لمؤامرة انقلاب مضاد للثورة، ومكي سيد أحمد المؤلف تزخر المكتبة بمؤلفاته الموسيقية العديدة ومن أهمها مقطوعته (مامبو نهر عطبرة) وشقيقتها (فالس نهر عطبرة) ومقطوعة (كانون العبور). ومكي سيد أحمد هو أول من دعا إلى قيام جمعية الموسيقى السودانية في كتابه (موضوعات)، وهو أول من ألف كتاباً فريداً في (ضبط السلم الخماسي)، وبعد عودته من ليبيا قدم للوسط الفني أعمالاً موسيقية فريدة، منطلقاً من نظرته لتاريخ الموسيقى السودانية (الوسطية) ومن منطق نظريته الموسيقية. وفي ذات الوقت نشر الراحل دكتور مكي سيد أحمد عدداً من المقالات وكانت له مشاركات صحفية راتبة تميزت بالنقد والسخرية، أذكر منها (سنابل وقنابل) و(حبتان.. ) وقد شهدت له أروقة اتحاد الفنانين مشاركات ومبادرات وندوات أخرى في محافل عديدة في الخرطوم وبعض المدن السودانية.. ولا ننسى أن دكتور مكي سيد أحمد تدرج إدارياً في معهد الموسيقى والمسرح؛ رئيساً لشعبة الموسيقى ونائباً للعميد ثم عميداً وكانت له في كل تلك المراحل رؤى وخطط وبرامج واضحة. واختم بأن دكتور مكي سيد أحمد كان برغم خلافاتنا واختلافنا معه كان هو الأحرص منا على إبقاء العلاقات الإنسانية والزمالية راسخة وقوية بالصبر والتجرد وببعض سخرياته التي لا تقاوم. رحم الله أخانا وصديقنا وأستاذنا الإنسان مكي سيد أحمد ولسوف يأتي يوم قريب نوفيه حقه بالكتابة والتوثيق. د. أنس العاقب