يرى البعض ويتركزون أساساً خارج مصر أن الأنسب هو عدم محاكمة الرئيس محمد حسني مبارك الذي أُطيح به في 11/فبراير الماضي بعد ثورة شعبية هزّت العالم من أقصاه إلى أقصاه وانحاز لها الجيش، وقد وصُفت الثورة المصرية بكثير من الأوصاف وكان أحدثها «الثورة الأنيقة». وحجة الرافضين لمحاكمة مبارك هي تقدمه في العمر 82 سنة وظروفه الصحية السيئة وإنجازاته ودوره في حرب أكتوبر 73 باعتباره قائداً للسلاح الجوي في ذلك الوقت وصاحب الطلعة أو الضربة الجوية الأولى. ونبدأ بهذه الأخيرة وقد كان حسني مبارك فعلاً خلال حرب أكتوبر 73 أحد أبطال تلك الحرب، لكن النظر السليم إلى تلك الحرب وإن كان يضع اللواء الطيار مبارك في مقدمة أبطالها، فإنه يضع قبله الرئيس السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة وصاحب قرار الحرب ثم المشير أحمد إسماعيل علي وزير الدفاع ثم الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة الأركان ثم الفريق محمد عبدالغني الجمصي مدير العمليات ثم قادة الأسلحة الأخرى، وفي مقدمتهم حسني مبارك، بحكم الدور المهم الذي لعبه السلاح الجوي عند بداية هذه الحرب. وكان الإعلام المصري خلال فترة حكم مبارك، التي امتدت من أكتوبر 1981م إلى 11/ فبراير 2011م، يصور دور الرئيس مبارك في تلك الحرب وكأنه كان أهم الأدوار وأكبرها ولم يكن ذلك صحيحاً، لكنها العادة الشمولية السيئة التي تنسب للرئيس كل الإنجازات التي حققها فعلاً وتلك التي لم يحققها، وهي عادة شمولية كما قلنا، وفرعونية أيضاً. وخلال الثورة المصرية الأنيقة التي استمرت من 25/ يناير وتوجت بتنحي الرئيس مبارك في 11/فبراير وما زالت مستمرة! ضاق المصريون ذرعاً بحكاية «صاحب الضربة الجوية» وقالوا: (يا ريت كان ضربنا.. وحكم إسرائيل). وكانت للرئيس مبارك إنجازات نعم وما فعله في البنيات التحتية أوضح من الشمس ولكن.. وبتنحية القمع والفقر وتزوير الانتخابات وسائر سلبيات العهد السابق جانباً يخيل إلينا أن أكثر ما أثار المصريين ضده هو التوريث، وثروته وثروة أولاده وأصهاره الذين كانوا حولهم من أمثال زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور وأحمد عز وأنس الفقي.. وإلخ. ويخضعون جميعاً الآن للتحقيق، وإن خرج الرئيس بالذات ونجلاه بريئين مما نُسب إليهم من اتهامات فمن الممكن أن تتغير نظرة المصريين لرئيسهم السابق، فالشعوب كما قالوا تسامح حكامها على كل الأخطاء. وخطأ واحد لا مسامحة فيه هو التعدي على المال العام والاغتناء من مال الشعب، وهذا الخطأ إذا ما تأكد ينسف كل الإنجازات ويلغيها، بما في ذلك الضربة الجوية. لقد سامح المصريون عبدالناصر على هزيمة يونيو 67 ولما تنحى طالبوه بالبقاء ولما مات ودعوه وداعاً مهيباً أذهل الدنيا بأجمعها وما أكثر الأسباب ومنها أنه كان طاهر اليد يميز بين راتبه ومخصصاته وبين خزينة مصر.