محصول القطن كان يمثل ركيزة للاقتصاد القومي في يوم ما وكان يلقب بالذهب الأبيض نظراً للعملة الصعبة التي تدخل البلاد بسبب القطن، كما أن إنتاجية الفدان حينها متوسطة، حتى وصلت إلى 6 قناطير. فالسياسات الحكومة مسؤولة عن الانهيار الحالي للقطاع الزراعي بعد أن رفعت يدها عن التمويل والدعم، فالانهيار الزراعي بدأ بأعمال متدرجة لرفع الدعم عن المزارع، خاصة في ما يتعلق بالتسويق وتدني الأسعار، وبعد أن كان محصول القطن يعتمد عليه المزارع في تربية أولاده وتعليمهم ومصدر دخل مقدر وحراك مجتمعي في كافة مراحله أصبح الآن محصول القطن يحقق خسارةً فادحةً للمنتجين بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، واتجاه الحكومة لاستزراع محاصيل أخرى برغبة المزارعين. إن صناعة الغزل والنسيج تعاني من الإهمال الشديد منذ ما يزيد عن 20 عاماً وتشكو من ضعف الإمكانات وشح المواد الخام بعد عزوف المزارعين عنه كرد فعل للسياسات الحكومية وعدم استخدام الأساليب التقنية الحديثة في الصناعة. ويرجع تدهور زراعة القطن إلى العديد من الأسباب منها: قِدم أصناف القطن وعدم تجديدها من حين إلى آخر لتتناسب مع الظروف المناخية الجديدة، وفي هذا الجانب عملت شركة الأقطان على استنباط عينات محسنة ذات إنتاجية مقدرة، وكما شاهدنا إنتاجية هذا العام وصلت إلى 8 - 10 قناطير. إن تخلي الحكومة عن برنامج تحسين أصناف القطن سيكون له مردود عكسي على الاقتصاد وإن إحجامها عن تمويل بحوث أصناف القطن وعدم تخصيص ميزانية لهيئة البحوث الزراعية حتى أصبح الفدان الواحد للقطن لا يعطي أكثر من 5 قناطير فقط، كل ذلك أدى تراجع مساحات القطن إلى 15% مما أثر على الاقتصاد الريفي وساهم في انتشار البطالة والنزوح من الريف إلى أواسط المدن للبحث عن مصادر رزق وذلك لضعف الأرباح التي كان يحققها محصول القطن إذا تمت مقارنته بالمحاصيل الزراعية الأخرى المنافسة له، أصبح الآن الأمر مختلفاً فتصاعدت أسعار الأقطان عالمياً وارتفع السعر المحلي للقطن وزاد عائد المزارعين وبالتالي بدأ المزارعون يقبلون على زراعته، لأنه محصول مربح حال مقارنته مع أى دورة أخرى لباقي المحاصيل، وأن الحكومة شعرت بخطورة التخلي عن دعم مزارعي القطن. إن كل الظروف اجتمعت ضد زراعة القطن، سواء من جانب سياسات الدولة التي تخلت عن زراعة استراتيجية مثل القطن أو المزارع الذي انصرف عنه لقلة ربحه إلا أن الميقات الحالي يشجع على الإقدام على زراعة السلعة نظراً لارتفاع أسعارها. المخاطر التي تلحق بالصناعة من جراء العزوف عن زراعة القطن والتي يعمل فيها مئات الآلاف من العاملين، تشريد هؤلاء الغلابة وإذا لم تتحرك الحكومة فعلياً هذه الأيام تفاقمت الأزمة وسيتم إغلاق ما تبقى من المصانع وتسريح جميع العاملين فيها. إن الحل الأمثل هذه الأزمة يتمثل في عودة المساحة المزروعة إلى نصف مليون فدان بدلاً من 100 ألف فدان. عدم زراعة القطن والاستغناء عنه نتيجة لسياسة خاطئة تتبنى تأصيل مبدأ الخصخصة في جميع المجالات. إن إلغاء دور وزارة الزراعة وإهمال الدورة الزراعية وتناقص المساحات الزراعية وإحلال محاصيل بدلاً من القطن كانت النتيجة الحتمية لأزمة القطن. فالخبير الأمريكي والمدير التنفيذي للهيئة الاستشارية للقطن مستر تيري قال يجب على السودان الاستفادة من ارتفاع أسعار الأقطان لدعم اقتصاده وأي كلام عن تراجع مساحات القطن يصب في اتجاه تخريب الاقتصاد، فهنالك أصوات تنادي بعدم زراعة القطن تحت مظلة أن عقد شركة الأقطان مجحف وللشركة الحق في ضمان استرجاع تمويلها وأن فقرة أن لا يبيع المزارع القطن لغيرها، هذا من باب أنها الممول الوحيد للسلعة وهي عملية استثمار، فالمنادون بترك المحصول يباع بحرية القانون يجب أن تموله الدولة ليترك للسماسرة ومصاصي عرق المزارعين.