قصفت قوات حلف شمال الأطلسي مكتب العقيد القذافي بقلعته الحصينة في باب العزيزية بالعاصمة الليبية طرابلس، منتهى الاستفزاز والإهانة لرئيس كان يلاحق بقنابله ومتفجراته الأمريكيين في الملاهي الليلية بألمانيا وفي الطائرات فوق سماء لوكربي بأسكتلندا على تخوم المحيط المتجمد الشمالي، وكان نظامه يقتل الشرطيات البريطانيات في قلب لندن، ولا أحد يسعى عملياً للرد على تلك التجاوزات. ولكن يبدو أن ساعة الجد قد حانت من وجهة النظر الأوروبية الأمريكية رغم التردد والحذر اللذين يشوبان الموقف الأمريكي تحديداً. وتردد الرئيس أوباما ورفضه للاشتراك بقوات برية في ليبيا لم يأتيا من فراغ، فهناك كما قالوا الكونجرس وهناك الرأي العام الأمريكي وهناك التجارب الدامية المريرة التي استنزفت الكثير في أفغانستان والعراق. وأياً كانت النتائج التي سوف يتمخض عنها الصراع الملح الدائر منذ مارس الماضي بين العقيد القذافي والقوات التابعة له وليست كلها ليبية، وبين الثوار الذين يدعمهم حلف شمال الأطلسي بحظره للطيران في ليبيا، فإن الوضع هناك لن يعود إلى ما كان عليه. ومن المؤكد أن اختفاء العقيد القذافي أو حتى تقليم أظافره سوف يحقق خدمة كبيرة لكثيرين وفي المقدمة جيرانه خاصة السودان. وهناك مخاطر على البلد العربي الإفريقي الغني بالبترول وفي مقدمة هذه المخاطر تقسيم ليبيا إلى دولتين شرقية وغربية، وهو احتمال مقلق لكنه وارد، فإذا كان العراق الغني القوي العريق خضع بكل سلاسة للاحتلال في مطلع الألفية الثالثة بعد أن ظن الناس أن أيام الاستعمار ولّت إلى غير رجعة. وأيضاً إذا كان السودان في عصر الكيانات الكبرى في كل العالم وبعد أن عاش نصف قرن أو زهاءه من عمره الوطني واحداً موحداً «أُضطر» إلى التقسيم إلى دولتين، فليس هناك ما يمنع أن تنشطر ليبيا إلى دولتين في ظل تقاعس الإرادة الوطنية الليبية عن التمسك الصارم بوحدة الشعب والتراب. وهذا التقاعس وحده هو الذي يفتح الباب على مصراعيه ليدخل الآخرون لتحقيق مصالحهم التي يسهِّل تحقيقها بالدرجة الأولى شعورهم بقابلية أصحاب الحق لتقسيم أوطانهم. وهي نفس القابلية للاستعمار التي تحدث عنها المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي. ونعيد ونكرر أن ذهاب العقيد القذافي مهم، وفي نفس الوقت فإن أهمية بقاء ليبيا واحدة موحدة مسألة لا يرقى إليها الشك.