لم يشفع كأس العصير زهري اللون الذي قدمه الرئيس البشير لوزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت في تغيير نظرة صاحبة الحقيبة الأهم لدى الإدارة الأمريكية، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدما أولبرايت الخرطوم. وبينما كانت حاملة الحقيبة الأهم ترتشف الرشفة الأولى من العصير الذي شبهت مذاقه (ببيتو بيسمول)، توارد إلى خاطرها الصورة القاتمة التي ترسمها الإدارة الأمريكية عن النظام في الخرطوم: «ربما أرادوا تسميمي»، سأرتشف رشفة واحدة فقط ثم «أنظر» ماذا قد يلم بي، ربما أفقد توازني، أو أسقط من الكرسي الذي أجلس عليه في حضرة الرئيس البشير، نعم ربما «أرادوا تسميمي» قبل أن تضيف: قدموا لي العصير وظلوا ينظرون إلي، وهم لا يشربون شيئاً». إعادة تجميل { تعترف أولبرايت إبان توليها حقيبة وزارة الخارجية الأمريكية أن وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية صار قبيحاً ويحتاج إلى عملية تجميل، وتشير إلى ذلك في كتابها (الجبروت والجبار) بقولها: «آمل في أن تستعيد الولاياتالمتحدة ما كانت تتمتع به في الماضي من احترام».. وبين الإحساس المتجذر لديها بالعلو اليهودي والجبروت الأمريكي تعترف بأخطاء في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، مما يستدعي أن نسأل بأي منظار يجب أن ينظر ساستنا تجاه السياسة الأمريكية حول قضايا البلاد، وإلى أي مدى تقاس جدية الإدارة الأمريكية في الإيفاء بوعودها تجاه الشمال وبالتزاماتها حول قضايا السلام! اعترافات نحاول هنا الهرولة ما بين اعترافات أولبرايت وتعنت كلنتون التي وصفها مراقبون بأنها ما زالت ترتدي نصف عدسة رايس، إبان توليها حقيبة الخارجية الأمريكية؛ الوزارة الأعلى حساسية، وبينما تعترف أولبرايت في أول مهمة دبلوماسية لها إلى حكومة تعتبر معادية، تقول: ومع ذلك استقبلنا البشير بشكل حسن.. أما هيلاري كلينتون، فإن امتعاضها الذي تبديه غالباً ما يجعلنا نتساءل: بأي منظار يجب أن ينظر إلى السياسة الأمريكية تجاه قضايا البلاد ذات الصلة.. وإلى أي مدى يمكن للإدارة الأمريكية الإيفاء بوعودها تجاه دولة الشمال والتزاماتها حول قضايا السلام؟ ورغم تجاهل الحقيبة الأكثر أهمية وهي وزارة الخارجية الأمريكية لقضايا السودان عقب إعلانه انفصال الجنوب، بجانب الوعود المتكررة، إلا أن مراقبين يرون أن حزمة من القرارات التي أصدرها البيت الأبيض وشملت الخرطوم هي ليست إيجابية بالقدر الكافي، مقابل ثقل تلك الوعود، وكان من بينها القرار الذي صدر الأسبوع الماضي من وزارة الأمن القومي الأمريكي والقاضي بعدم خضوع المواطن السوداني ضمن مواطني عدة دول إلى التسجيل الثانوي للبيانات الشخصية عند الوصول إلى الولاياتالمتحدة أو المغادرة منها، ويذكر أن هذا النظام تم إلغاؤه بعد مراجعة مستمرة للإجراءات الأمنية في المطارات الأمريكية، قالت عنه وزارة الدفاع «أنه أدى إلى الشعور «باستهداف عنصري». إلا أن القرار الثاني الذي صدر في الشأن السوداني من قبل الإدارة الأمريكية والأكثر جدلاً هو رفع وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات عن بنك الخرطوم ومرد انتقاد هذا القرار هو مدى علم المسؤولين في الإدارة الامريكية أن الحكومة السودانية لم تعد تمتلك حصة مسيطرة من الأسهم في هذا البنك. على أن أكثرها إثارة لحفيظة المسؤولين في الخرطوم هو تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية جوي كارسدن في رده حول تعليقات الرئيس البشير بشأن أبيي عندما قال «إن هذه التعليقات ليست ذات فائدة على الإطلاق»، ووصفها بأنها ستؤدي إلى تصعيد التوترات بين الطرفين في الشمال والجنوب، ولكنه قال بلهجة آمرة: «أبيي هي إحدى هذه القضايا يجب أن تحسم قبل التاسع من يوليو»!، لكنه لم يبين بالطبع كيف تحسم ولصالح من الشمال أم الجنوب، مما يجعل تصريحاته في مرمى النيران!!