لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب الجبروت والجبار لمادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا الأسبق

أصدرت مادلين أولبرايت الوزير الأسبق للخارجية الأمريكية كتابا جديداً تُرجم للعربية بعنوان (الجبروت والجبار)، وهو عنوان ذو مسحة دينية لا تخفى، ويأتي هذا الكتاب في وقت امتزج فيه الدين بالسياسة في كثير من قضايا السياسة الدولية، ويشرح الكتاب تأثير الدّين على نظرة أمريكا لنفسها ولقضايا السياسة الخارجية، وكيف يُمكن للدين أن يُصبح قوّة تدفع باتجاه الحرية والتسامح، بدلا من القهر والإرهاب. ولكن الكاتبة الدبلماسية السابقة رغم تأكيدها على دور الدِّين، إلا إنها تؤكد على موقفها العلماني التقليدي، الذي يصرّ على دور محدود للدين بحيث لا يتعارض مع مبدأ الفصل بين الدين والدولة .
عنوان الكتاب: لجبروت والجبار؛ تأملات في السلطة، والدين، والشؤون الدولية تأليف: مادلين أولبرايت تقديم: بيل كلينتون الناشر: الدار العربية للعلوم تاريخ النشر: أكتوبر 2006 248 صفحة العنوان الأصلي: The Mighty and the Almighty: Reflections on America، God، and World Affairs الناشر الأصلي: Harper Collins Publishers{/shadowboxwtw}
كتب بيل كلينتون الرئيس السابق لأمريكا مقدمة هذا الكتاب ، ووصف في مقدمته اولبرايت بالشجاعة وأنها لا تخاف من تناول القضايا الصعبة أو التحدث عما يجول في ذهنها. ويرى إنها في كتاب "الجبروت والجبار" تكتب بصراحة غير معهودة وفهم جيد لدور امريكا الدولي، والدين، والاخلاق، وحالة العالم الجارية المنقسمة والقلقة. ويقرر كلينتون بثقة: "لم يكتب اي وزير خارجية شيئاً مماثلاً لذلك على ما أعلم. إنه كتاب غير متوقع، وضع ضد نصيحة الاصدقاء الذين يخشون عليها من بحث هذه الموضوعات من دون الاساءة لاحدهم. ومن خلال خبرتي لا سبيل الى تجنب الاساءة لاحدهم الا بالتوقف وعدم الحركة. ومادلين اولبرايت تجسد الحركة إلى الامام".
تجربة ودرس:
تقول مادلين أولبرايت إنها خلال مشوارها الدبلوماسي، تعلّمت ألاّ تعقد أمور السياسة الدولية بإقحام الدّين في القضايا العالمية، و السبب في تغيير رأيها، هو القضايا التي مرّت عليها في مشوارها الدبلوماسي، سواء كسفيرة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة أو كوزيرة للخارجية الأمريكية، حيث تملكتها الدّهشة الشديدة وهي تحلِّل الوضع في أيرلندا الشمالية، وهي تشاهد حربا دينية بين الكاثوليك والبروتستانت في أواخر القرن العشرين، تضيف أولبرايت : (عندما كانت الولايات المتحدة تتعامل مع قضايا السياسة الخارجية الخاصة بالشرق الأوسط، أدركت أنه إذا كانت القُدس مُجرّد قضية أرض متنازَع على مِلكيتها، لكان بإمكاننا حلّها منذ سنوات طويلة، ولكن الواقع هو أن أطراف النِّزاع يُؤمنون بأنها أرض ومقدّسات أعطاها الله لهم، ولذلك، أصبح لقضية القُدس أبعاد مختلفة تماما).
وأظهرت أولبرايت تشاؤمها من حل الصراع العربي- الإسرائيلي في المستقبل لسببين: أولا : إصرار إسرائيل منذ فترة طويلة،على الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها سنة 1947م. ثانياً: لأن الدين الإسلامي يأمر المسلمين بأن يقتلوا أعداءهم ، حسب ادعائها. لكن أولبرايت فشلت في اختيار آيات قرآنية لتؤكد هذا. وارتكبت بعض الأخطاء في إختيار الآيات؛ حيث دمجت آيتين منفصلتين وردتا في مواضع مختلفة من سورة البقرة وكأنها آية واحد ، بالإضافة لحذفها بعض كلمات الآيتين التي قد تنفى الوهم الذي حاولت إيصاله للقارىء.
ومضت في القول (إنه كذلك عندما بدأت أمعِن النظر في قضايا السياسة الخارجية في إفريقيا، وجدت بُزُوغ العنصر الدِّيني في صِراعات اندلعت في مجتمعات تضُم مسلمين ومسيحيين، مثلما حدث في السودان، وهكذا اتَّضح لي أكثر فأكثر أن كثيرا من الصراعات التي أعقبت الحرب الباردة، كانت لها علاقة بالدِّين، ولذلك أصبح يتعيّن على المهتمِّين بشؤون السياسة الخارجية- في الولايات المتحدة - أن يتفهّموا دور الدِّين كقُوة في قضايا السياسة الخارجية وكيفية استخدام البُعد الدَِّيني في العُثور على العناصر التي تجمّع بين أطراف النزاع، وإذا درَس المرء الدّيانات الإبراهيمية الثلاث، سيجد فيها مفاهِيم مُشتركة عن السلام والعدل والخير).
هذا ما حاولته اولبرايت إذ سعت في كتابها أن تدرس الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. وأن تجد الوشائج بينها، على الرغم من ان تلك المحاولة قد جرت من عديد من الباحثين الاكاديمين في كليات حوار الأديان او دراسات الشرق الأوسط القديم. وخاصة تلك الوشائج التي تدعو إلى السلام بين الديانات الثلاث.. لكن محاولة اولبرايت في توظيفها في الشرق الأوسط الجديد هو الجديد في المسألة، الذي دولة الكيان الصهيوني جزء منه على قدم المساواة مع العرب ، حسب رؤية الأستاذ رياض الأسدي وهو يناقش الكتاب، بل يمضي للقول :( كتاب اولبرايت ليس دعوة إنسانية بزغت فجاة في عقل قاتلة الاطفال العراقيين، بل هو يصبّ في مشروع ما يعرف بالشرق الاوسط الجديد ومقولته: لم تتقاتلون ومصدركم واحد: أبراهيم او أبرام ؟ الكتاب على العموم ليس بحثا تاريخيا بل هو يصبّ في الاتجاه الاميركي لبناء ما يعرف بالشرق الاوسط الجديد. وإذا كان ثمة ما يلفت النظر إليه هو هذا التوقيت الفريد في دعوات كوندا ليزا رايس وصدور الكتاب..؟ إن القوي والجبار ليس الخالق والسياسي الحاكم، وما هو ذلك الجدل القديم بين الديني و الدنيوي؛ بل هو ذلك الصراع المقيت بين طلاب السلطة والهيمنة والأستحواذ غير المشروع دائما. القوي والجبار هي الولايات المتحدة التي تأمل ان تحوز على الصفتين في الشرق الاوسط: القوة والجبروت). دافعت أولبرايت في كتابها عن حق إسرائيل في الحياة، وترددت في نقد سياسات إسرائيل التوسعية، لكنها ذكرت أنها تتفق مع ليون ويسلتير،رئيس تحرير مجلة( نيوريببليك)، في معارضة نظرية (إسرائيل الكبرى) ووصفت جدار الفصل العنصري ،الذي تبنيه إسرائيل بأنه ( دفاعي يوفر للإسرائيليين الإحساس بالأمان) وقالت:( إن كثيراً من الإسرائيليين يشيرون إلى أن برنامج بناء المستوطنات المكثف يؤثر على سمعة إسرائيل الأخلاقية ويزيد غضب العرب) لكنها لم تقل إن هذا رأيها هي ، ولم تعارض بناء المستوطنات.‏
وطال كتاب أولبرايت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وصبت أولبرايت جام غضبها عليه وحملته مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد عندما كانت وزيرة خارجية في آخر أيام إدارة الرئيس كلينتون، وذكرت أن أيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل( كان مرنا، لكن عرفات كان عنيداً). وقد أخذ عليها الأستاذ عبد الله الغضوي في صحيفة الثورة السورية أنها} لم تتحدث عن أخطائها السياسية، والتي انعكست على السياسة الخارجية الأميركية. مثل: ذهاب أولبرايت سنة 1998 عندما كانت وزيرة الخارجية إلى اجتماع شعبي في كولومبس( ولاية أوهايو) للدعاية لخطة ضرب العراق، لأن العراق ضرب طائرات أميركية كانت تحلق في منطقة حظر الطيران، ولأنه رفض استقبال مفتشي الأمم المتحدة. استقبلت أولبرايت في أوهايو مظاهرات تهتف: لا لحرب البترول، لا لحرب العنصرية. لكن أولبرايت لم تضع اعتبارا للمتظاهرين، ولم تضع اعتباراً لعقلاء حضروا الاجتماع الشعبي، ونصحوا بعرض الموضوع على الأمم المتحدة قبل إعلان الحرب، وكررت أولبرايت إن العراق ينتج أسلحة الدمار الشامل، وسألها أحد الأشخاص: كيف تنامين في الليل وأنت ستقتلين النساء والأطفال؟ وأجابت: نحن ندافع عنك حتى تنام في الليل، أنا فخورة بما نفعل . نحن أعظم أمة في العالم، وأذكر إجابة للسيدة أولبرايت على سؤال أحد الصحفيين عندما قال لها: إن أطفال العراق يموتون من الحصار والقصف الأميركي على المناطق العراقية، وأجابت أولبرايت بمنطق أميركي معتاد إنها الحرب.‏
11 سبتمبر تدفع بالدين للواجهة:
وعن تأثير أحداث 11 سبتمبر في إبراز مكانة الدين ، ترى مادلين أولبرايت أن تلك الأحداث جعلت دور الدِّين أكثر وضُوحا بالنِّسبة للولايات المتحدة، ولكن دور الدِّين الإسلامي كان واضحا قبل هجمات سبتمبر في أنحاء العالم الأخرى، مما حتّم عليها كوزيرة للخارجية الأمريكية آنذاك حث كثيرين من العاملين في السِّلك الدبلوماسي الأمريكي، في تعليم حقائق عن الدِّين الإسلامي، ورغم تأكيدها على مكانة الدين في عالم اليوم، إلا إنها تقرير أمرين؛ الأول ذاتي و ثاني وظيفي ، يتعلق بطبيعة ممهنتها والدرس الذي خرجت به من تجربتها العملية تقول مادلين( لا زلت أؤمِن بمبدإ فصل الدِّين عن الدولة، كمبدأ أساسي في المجتمع الأمريكي، ولست من علماء الدِّين ولكن مهمَّتي كدبلوماسية هو حلّ المشاكل، ولذلك، فإنني أعتقد أن تفهُّم التأثير الذي تُمارسه العقيدة الدينية في الكثير من الصراعات والنزاعات يعُد متطلبا أساسيا، يُعين على إيجاد الحلول لها.
ثانيا، أنا أعتقد في الواقع أننا بحاجة إلى إشراك الزعماء الدِّينيين في حل الصراعات، ليس كأطراف مشاركة على مائدة المفاوضات، ولكن كمصادر للتفهم ولكسب مساندتهم في نهاية المطاف للقرارات التي يتم التوصّل إليها في المفاوضات، لأنه لا يمكن فصل الناس عن معتقداتهم الدِّينية، ولذلك، أعتقد أن إشراك الزعماء الدِّينيين في جانب من المناقشات، يساعد في التوصل إلى حلول للصراعات). وأشارت مادلين في كتابها بأنه لن يمكن للولايات المتحدة، كقوة عظمى، أن تقود عالم اليوم ما لم تتفهّم الشعوب التي تمس الحاجة إلى التأثير عليهم، خصوصا المسلمين؛ تعلل مادلين أولبرايت هذا الحكم الجازم : (لأنني رأيت كثيرين يتحدّثون عمّا يُسمّونه بصراع أو صِدام بين الحضارات، وهو شيء لا أؤمن به. فالولايات المتحدة ليست في صِدام مع العالم الإسلامي كحضارة، ولكنها وجدت نفسها في معركة أفكار تتطلّب أن توضِّح الولايات المتحدة ما هي الأسس والقيم التي تقوم عليها، وليس مجرد توضيح الأفكار التي تُعاديها الولايات المتحدة، وكذلك يتعين علينا أن نتفهّم معتقدات الآخرين، لأنه في نهاية المطاف ستتطلب أي مناقشات أو مفاوضات تجريها مع طرف آخر، أن تضع نفسك مكانه وتتفهّم الخلفية الثقافية والتاريخية والدِّينية التي أحاطت بذلك الطرف وشكّلت مواقفه). وتقرر أولبرايت في كتابها،بناءاً على هذه الرؤية أن (الإرهاب الدولي خطر عالمي يتم الحاق الهزيمة به على الوجه الأفضل بالتعاون القوي بين الاصدقاء القدامى والالتزام الثابت بمعايير حقوق الإنسان والقانون التي استقر عليها الرأي منذ مدة طويلة. وثمة دور يقوم به العسكريون في هذا الكفاح، لكن ساحة القتال هي ساحة الافكار).ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الشاخصة الآن تتبني هذا الإسلوب كما في التقرير الذي أصدرته مؤسسة "راند" والذي أوصت فيه بتوظيف من أسمتهم "مسلمين معتدلين" في حربها ضد "المسلمين الأصوليين".
استخدام الدين:
عن استخدام الدِّين في السياسة الداخلية في الولايات المتحدة قالت إن الرئيس بوش أصرّ عقِب أحداث سبتمبر على أن للولايات المتحدة علاقة خاصة وفريدة بالله، وهي تقود قِوى الخير ضدّ قوى الشر، وعندما تمّ اعتقال الرئيس صدام حسين، أعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة تفعل ما أراده الله لاسترداد الحرية للشعب العراقي، ويكفي للتدليل على إسباغ بوش صِبغة دِينية على كل شيء، أنه قال لأنصاره من الكنيسة الإنجيلية، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية: "أعتقد أن الله يُريدني أن أصبح رئيسا"!
والتوجه الديني الواضح للرئيس بوش وتأثيره على سياسة بوش جعل كثيرا من الاوروبيين - بحسب أولبرايت - بمن فيهم بعض المؤيدين لغزو العراق، منزعجين من الموضوعات الدينية التي ينطوي عليها خطاب الرئيس بوش، وتقول (يشترك كثير من الامريكيين في هذا الانزعاج، إذ يدرك طلاب التاريخ - وفقاً لأولبرايت - المخاطر التي يشكلها القادة السياسيون الذين يرون انفسهم وكلاء لله على الأرض). ترى أولبرايت أن مربط الفرس أنه ( ليس المُهم أن تروّج لفكرة أن الله يقِف إلى جانبك فيما تقرّره، بل الأهَم هو أن تكون أنت فيما تتَّخذه من قرارات في جانب ما أوصى به الله، وقد أدّى ذلك الاستخدام إلى صُعود نجم المحافظين الجُدد والترويج لنظرية نهاية العالم والتعجيل بعودة السيد المسيح، وأصبح كل شيء متَّسما بصِبغة دينية).
غزو العراق أكبر كارثة أمريكية:
أشارت مادلين في كتابها إلى أن الغزو الأمريكي للعراق قد وسَّع الفجوة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، وبعث روحا جديدة في تنظيم القاعدة ، وأن قرار غزو العراق سيسجِّله التاريخ على أنه أكبر كارثة في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، بسبب العواقب غير المقصودة التي تسبّب فيها ذلك الغزو، وكيف أن الإرهابيين الذين شنّوا هجماتهم على الأرض الأمريكية يوم 11 سبتمبر عام 2001 جاءوا من أفغانستان، وليس من العراق، ولم تكن هناك أي صِلة بين تنظيم القاعدة وبين الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، ولكن بسبب الوضع الفَوضوي الذي نتج من الغزو الأمريكي، وجد تنظيم القاعدة أرضا خصبَة للعمل في العراق، وأصبح له دور كبير في العُنف المتزايد في العراق وأدّى إلى إشاعة الفرقة بين العراقيين، وأصبحت هناك أسئلة كثيرة تُثار حول تأثير الحرب التي شنّتها أمريكا على العراق على الشعب العراقي ومستقبل العراق، بل وعلى العلاقات الأمريكية مع الدول العربية والإسلامية.
الديمقراطية والإسلاميين:
طالبت أولبرايت في كتابها الولايات المتحدة المواصلة في مساندة حقيقية للتحوّل الديمقراطي في الشرق الأوسط، ، وذكرت في حوار معها حول كتابها بأنه لا ينبغي استبعاد الإسلاميين بحجة أنهم البديل الشاخص للأنظمة القائمة الآن في العالم العربي والإسلامي، لأن للناس جميعا نفس الحقوق وللشعوب الحق في اتِّخاذ القرارات الخاصّة بحياتها، والديمقراطية هي أفضل نظم الحكم، ولكن لا يُمكن فرضها، وإنما يتعيّن مُساندتها وتقويَتها، والأساس الحقيقي للانتخابات، هو ضرورة أن يتخلّى مَن يخوضون العمل السياسي عن استخدام العُنف لتحقيق أهدافهم السياسية، كما هو المطلوب الآن من حركة حماس، ولذلك يجب أن يُدرك المشاركون في العملية السياسية أن الفائزين بالانتخابات في الدول العربية الرّاغبة في التحول نحو الديمقراطية، هم من يحصلون على غالبية الأصوات، مما يعكِس التأييد الشعبي لهم على أن يُدرك الفائزون أنها لن تكون آخر انتخابات يتم إجراؤها ويقبلون بمبدإ تداول السّلطة، وبالتالي، تتّضح مواصفات العملية الديمقراطية. وإذا قبل بها الجميع، فيجب ألا يتِم استبعاد إحدى القوى السياسية، لمجرّد أنها إسلامية، بشرط ألا يلجأ أي طرف إلى العُنف.
أسف وأمل:
أعربت في كتابها عن الأسف لِما لحِق بصورة أمريكا في العالم من ضرر بسبب السياسات التي اتّبعها الرئيس بوش، وقالت في ذات الحوار( أنا مُواطنة أميريكية تجنّست بالجنسية الأمريكية بعد أن هاجرت مع أسرتي من تشيكوسلوفاكيا، وكنت دائما أنظر بإعجاب إلى الولايات المتحدة كأرض للفُرص السّانحة وكمَصدر لإلهام الشعوب التواقة إلى الحرية والديمقراطية، ومصدر كريم يمد يد المساعدة إلى دول العالم الأخرى، ولذلك آمل في أن تستعيد الولايات المتحدة ما كانت تتمتّع به في الماضي من احترام الشعوب كمنارة للحرية، وليس كرمز للكارثة التي حلّت بالعراق، وأعتقد أن العالم لا يزال بحاجة إلى أمريكا كقوة رائدة تُسهم بفعالية في حلّ المشكلات وليس في خلقها، تعطي بسخاء وكَرم لترفع نير الحاجة عن الشعوب الفقيرة، وتكون قادرة، ليس بقوتها، ولكن بالتعاون مع الأطراف الدولية الأخرى على التعامل مع نظام عالمي بالغ التعقيد).
وتقرر في توضيح صريح أولبرايت إن كتابها "الجبروت والجبار" في بعض معانيه، وأهدافه ؛هو بمثابة مناشدة من أجل إيجاد تفاهم أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة، وبين اليمين واليسار، وبين الديني والعلماني، وبين أولئك الذين تتباين معتقداتهم، (فإن اختلافاتنا، على رغم اهميتها، لا تعني كثيراً مقارنة بالإنسانية المشتركة التي تربطنا معاً) على حد قولها. وتعترف اولبرايت بأن هذا قد يبدو مبتذلاً، لكن لابد من الإعتراف به والعمل بموجبه ومادام قد أدى تجنبه أو انكاره إلى الاضطهاد والحرب. مناشدة أولبرايت للأوربيين والأمريكيين بمختلف أيدلوجياتهم ومواقفهم من الدين لأن يتعاونوا معاً ، تشبه مناشدة د.هنري كسنجر مخطط السياسة الأمريكية إبان الغوز الأمريكي للعراق؛ حيث ناشد ألمانيا وفرنسا اللتين تحفظتا على الحرب، أن يتذكرا المصير المشترك والتاريخ المشترك والعدو المشترك!
خطوة للأمام:
يرسم الأستاذ رياض الأسدي في تعليقه على كتاب أولبرايت المنشور بموقع( الحوار المتمدن) صورة فكرية للكاتبة تبين التناقض بين بعض رؤاها الفكرية وممارستها العملية، في معالجة الموضوع في كتابها (الجبروت والجبار) وهما مسألتان طالما شغلتا العقل البشري منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا ومادلين اولبرايت المرأة القوية في البيت الابيض سابقا تريد ان تخبرنا بالقصة من جديد وعلى طريقتها المشكوك فيها سلفا. فطوال مدة ولايتي الرئيس بيل كلنتون شغفت السيدة اولبرايت دائما بوضع (البروج) على الصدر: كانت تضع (كوبرا) على الجهة اليسرى حينما عينت سفيرا للولايات المتحدة في الامم المتحدة، وبعد ان أصبحت وزيرة لخارجيتها أيضا.
وجدت اولبرايت وهي المتحدرة من اوربا الشرقية ضالتها في التعبير عن روح العالم الذي لم تدرك مقاصده جيدا، لأنها بقيت حبيسة الرؤى القديمة التي تعتور في راسها والمتمثلة بالعلو اليهودي والجبروت الاميركي في الوقت نفسه. من الصعب على السيدة اولبرايت ان تدرك طبيعة التحولات التي تجتاح العالم، وخاصة تلك الاحداث التي تعصف باميركا اللاتينية وظهور قوى اليسار الجديد فيها؛ رغم أن أولبرايت لم تتحدث عن أخطائها في هذا الكتاب؛ لكن هذا الكتاب- على أي حال- خطوة نحو الأمام؛ حيث أعترفت أولبرايت بأخطاء في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
( هذه المقالة مستخلصة من حوار التقى فيه موقع (سويس إنفو) السيدة أولبرايت ونقاشها حول أهم المحاور والإشكاليات التي طرحتها في كتابها الجديد، وقراءة عبدالله الحسني التي نشرتها جريدة الرياض بتاريخ 20/2/2007، وقراءة الأستاذ رياض الأسدي لكتاب أولبرايت المنشور بموقع الحوار المتمدن، وقراءة الأستاذ عبدالله العضوي المنشورة بصحيفة الثورة السورية)
عرض الأستاذ: الوليد الطيب - التحرير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.