في مثل هذا الوقت من مايو 1969م كانت الانقلابات العسكرية من الحقائق المُسلَّم بها في العالم العربي وإفريقيا، فقد كان يحكم مصر الرئيس جمال عبدالناصر الذي وصل إلى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري الذي قاده في 23 يوليو 1952م وأنهى النظام الملكي وأعلن الجمهورية. وفي الجزائر كان يجلس على القمة العقيد هواري بومدين قائد الانقلاب العسكري في يونيو 1965م الذي أطاح بالرئيس أحمد بن بيلا. وكان البعثيون وصلوا إلى حكم العراق بانقلاب عسكري في فبراير 1963 متحالفين مع عبدالسلام عارف الذي أبعدهم من الحكم في نوفمبر من نفس العام لكنهم عادوا إليه وأيضاً بانقلاب عسكري تصدّره الفريق أحمد حسن البكر في يوليو 1968م واشترك في ذلك الانقلاب بعض المدنيين من حزب البعث أبرزهم الشاب صدام حسين (32 سنة). وفي ذلك الوقت من مايو 1969م كان حزب البعث يحكم سوريا بانقلاب عسكري نفّذه ضباطه في مارس 1963م وبعد صراعات وانقلابات وانقلابات مضادة استتب الأمر للواء صلاح جديد الذي أصبح يحكم سوريا من وراء الستار وفي الواجهة كان هناك الدكاترة الثلاثة نورالدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للحكومة، وإبراهيم ماخوس وزيراً للخارجية. ثلاث دول عربية كبيرة مؤثرة هي مصر والعراق وسوريا كان لكل منها تجربتها المشهودة في قيادة العالم العربي والإسلامي أيام الأيوبيين والفاطميين والعباسيين والأمويين كانت في ذلك الوقت من عام 69 تخضع لنُظم شرعيتها مبنية على الانقلاب العسكري وكانت معها الجزائر بلد المليون شهيد واليمن السعيد الذي ارتكز الحكم فيه على انقلاب عسكري تحقَّق في سبتمبر 1962م وأطاح بنظام أسرة حميد الدين وأعلن الجمهورية. وفي ذلك الوقت من مايو 69 لم تكن سمعة النُّظم الجمهورية التي حققتها الانقلابات العسكرية قد ساءت بعد، وكانت شعوب أخرى تتطلع إلى أن تُجرِّب حظها من الانقلابات العسكرية منها الشعبان السوداني والليبي. والحقيقة أن الشعب السوداني ذاق التجربة عام 1958م وفي نفس ذلك العام كانت للعراق تجربته الثالثة مع الانقلابات العسكرية ثم أطاح السودانيون بانقلاب نوفمبر 58 بثورة أكتوبر 64 لكنهم بسبب التجربة الحزبية السالبة التي أعقبت تلك الثورة كانوا مستعدين للترحيب بأي انقلاب عسكري وقد حدث ذلك فعلاً عندما استولى الجيش على الحكم في 25 مايو 1969م. وفي سبتمبر من نفس العام شهدت ليبيا انقلاباً عسكرياً قاده العقيد معمر القذافي وعندما نجح الانقلاب العسكري في السودان في مايو 69 كان الذين يحكمونه هم آباء الاستقلال الزعيم إسماعيل الأزهري، ومحمد أحمد محجوب، وعلي عبدالرحمن، ويحى الفضلي، وحسن عوض الله.