في مثل هذه الأيام من عام 1963م.. وتحديداً في 8 مارس أو آذار كما يقولون في الشرق العربي من ذلك العام وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم في سوريا.. ولم يصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات لكنه وصل إليه عن طريق الانقلاب العسكري، ولم يكن ذلك هو أول الانقلابات العسكرية في عاصمة الأمويين دمشق فقد سبقته انقلابات وانقلابات.. بل أنه حدثت في سوريا في عام واحد، هو عام 1949م، ثلاثة انقلابات في مارس وأغسطس وديمسبر، قادها على التوالي كل من حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي.. ويقال إن هذه الانقلابات الثلاثة كانت مشبوهة لم تصدر عن إرادة سورية وإنما كانت تلبية أو استجابة لأوامر خارجية. لكن الانقلابات العسكرية في ذلك الوقت من عام 1963م كانت أصبحت من المألوفات، وكان أشهرها وأقواها تأثيراً انقلاب 23 يوليو 1952م في مصر الذي خطط له ونفذه الضباط الأحرار بقيادة المقدم جمال عبد الناصر. وكنا في ذلك الوقت من عام 63 في السودان نعيش في ظل انقلاب عسكري يتصدره الفريق إبراهيم عبود، وقد حظي ذلك الانقلاب عند حدوثه في نوفمبر 1958م بمباركة أقوى وأهم زعيمين دينيين في البلد هما السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي. وكان حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل إلى الحكم في سوريا بالقوة في مثل هذه الأيام من عام 1963م قد لعب دوراً مهماً في التمهيد للوحدة السورية المصرية وفي تحقيقها في فبراير 1958م. لكنه أيضاً لعب دوراً مهما ًفي نسف تلك الوحدة في 28 سبتمبر 1961م وكان أحد مؤسسيه الأستاذ صلاح البيطار ممن وقعوا على وثيقة الانفصال. وكان البعث الآخر في بلاد الرافدين وصل إلى الحكم بالقوة أيضاً في فبراير عام 1963م متحالفاً مع عبد السلام عارف ثم أُقصي أواخر ذلك العام ثم عاد إلى الحكم في يوليو 68 وكانت المحصلة هي احتلال العراق في أبريل 2003م ومازال العراق محتلاً. لقد استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا، الحزب الحاكم منذ عام 1963م أن يحقق قدراً من الاستقرار والاستمرار لم تعهده سوريا من قبل ولم تعهده كثير من الجمهوريات في العالم العربي. ومازال إخفاقه الأكبر هو احتلال مرتفعات الجولان.. فقد سقطت في حرب يونيو 67 ومازالت محتلة. وكان الذي يحكم سوريا عند سقوط الجولان هو حزب البعث العربي الاشتراكي وكان يدير الدولة ثلاثة من البعثيين الأطباء هم رئيس الجمهورية الأتاسي ورئيس الوزراء زعين ووزير الخارجية ماخوس وكان وزير الدفاع هو اللواء حافظ الأسد الذي أصبح رئيساً للجمهورية في نوفمبر 1970م.