أخي صاحب الملاذات.. أرجو أن تستضيفنا كما عودتنا ونحن نستدعي بعض المشاهد الحية بقلم: م. محمد أحمد محمد نور { مشهد أول: كان ذلك في العام 2000م في منطقة دندرو من ولاية النيل الأزرق بعد أن ابتلينا بتعيننا وزيراً للتخطيط العمراني بولاية النيل الأزرق، اصطحبت السيد/ والي الولاية وقتها اللواء «م» الهادي بشرى، طوال المسافة بين الخرطوم والدمازين كنت مصراً على عدم الامتثال للقرار رغم البيعة للإنقاذ، وقد صار ذلك أكثر إلحاحاً بعد اطلاعنا على القسم الذي يوقف أصحابه على مداخل جهنم!! دون إطالة في التطورات فيما بعد، إلا أن تكاليف من السيد الوالي بمرافقة معتمد الكرمك؛ د. فرح عقار، للوقوف على أحوال المنطقة وخصوصاً مسألة المياه. { مشهد ثانٍ: ما شهدته بأم عيني ما كنت أظن أنه حادث أمامي؛ صفوف متراصة أشبه ما تكون بالعلم البريطاني «قاتله الله هو السبب» حول «كرجاكة» تقوم النساء باستخراج المياه ويمتد هذا الوضع 24 ساعة، نصيب الأسرة في اليوم لا يزيد عن صفيحة ماء، لاحظت أن بعض الناس يضعون 1/8 جالون لاستقبال «نقطة ماء» تسقط على هذا الإناء للاستفادة منها.. علمنا من المصادر ما تواجهه النساء من بعد «إجهاض نتيجة الإرهاق وأشياء أخرى ما اعتاد القلم أن يكتبها، إلا أنها أخطر من ذلك، حدثتني نفسي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يؤكد أن شخصاً دخل الجنة بسقاية «كلب» قلت: ألا أدخل «إن شاء الله» بأرواح بشر مسلمة أم كافرة!! قد تم بعض العمل. { مشهد ثالث: زيارة أخرى لمنطقة تبعد من الدمازين حوالي 120 كلم غرباً من النيل، منطقة «بوط» تمثل أكبر تجمع سكاني وحيواني وزراعي، وتعاني من نهاية موسم الخريف حتى بداية موسم الخريف من العطش، وكان الناس يتقاتلون في صفيحة الماء، ذكر الضابط الإداري أنهم يعانون من وادٍ يمر بالقرب من المنطقة ويقطعهم عن مدينة الدمازين، ولديهم نية في تشييد كبري على هذا الوادي!! قبلت اجتهاده كمهندس طرق، بدلاً عن الكبري شيد سد ترابي، تم تصميمه بإدارة المياه بالولاية وتمويله من الهيئة القومية للمياه، سعة الخزان تجاوزت ملايين الأمتار من المياه، أحدث ذلك تغييراً جذرياً في حياة الناس وصارت المنطقة منتجة للخضر والأسماك بعد زراعتهما، تكلفة التشييد في حدود مبلغ 2.400.000ج. كان يصرف أضعافها في توفير المياه سابقاً عن طريق الناقلات من النيل. { مشهد رابع: أحد مؤتمرات المياه «كرسي اليونسكو» وكنت أحد حضوره انصب الحديث عن المواصفات العالمية للمياه، كماً ونوعاً، وقد استشهد الأخ د. إبراهيم وزير التخطيط العمراني بالولاية الشمالية، بأنهم يسقون الناس من النيل مباشرة، وكان ردود ذاك المؤتمر أن الأسلوب قاتل للإنسان أن يشرب مباشرة من مياه النيل، زامن ذلك زيارة السيد/ رئيس الجمهورية لعيد الحصاد في منطقة أقدي «تجربة الزراعة بلا حرث» أين هي؟! فشهد الإخوة في الإعلام الإنسان والحيوان مع بعضهم البعض يشربون من تجمع صغير لبركة مياه ناتجة عن تشييد الطريق، وقد أشير إليهم بأنني وزير التخطيط فوجه لنا السؤال أهكذا يشرب الإنسان؟! قلت: نعم. بل إنها نعمة مغبون فيها صاحبها.. جال في العقل ما كنت حاضره في مؤتمر المياه بالخرطوم وحالة العطش التي يعيشها الإنسان في مدن وأرياف الوطن. من نحن؟ ماذا نريد؟ وكيف نفكر؟ { مشهد أخير: أزمة مياه الخرطوم وهي محاطة بأطهر وأطول نيل أزرق ونيل أبيض ونهر نيل «جاء في الحديث أنه من أنهر الجنة»، تعكس بوضوح عدم قدرتنا في الاستفادة من مواردنا «كل الموارد»، فإننا حتى الآن لم نتفق هل المياه «سلعة أم خدمة»، وهذا القرار ليس هيناً لأنه يترتب عليه فقه أولويات.. أعانكم الله الإخوة في إدارة المياه التي كانت جزءاً من «إدارة الكهرباء»، فقط أحب أن أنبه بالتقليل من التصريحات والوعود... «اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». { المدير العام للشركة الوطنية للطرق والجسور