{ الأخ العزيز الأستاذ الهندي عز الدين عاطر التحايا لك ولقرَّاء عمود (شهادتي لله) ما دفعني للكتابة إليك هذا المساء حديث قرأته للدبلوماسي المخضرم محمد سيد عبد المجيد، عن مدينة كان قد قام بزيارتها، ولفت انتباهه فيها كثرة تداول المفردات: (Thanks) و(Sorry): معذرة وشكراً.. فالذي يفسح لك الطريق، وأنت راجل أو خلف مقود سيارتك وسط الزحام، أو يرشدك إلى مكان ما.. تقول له شكراً.. والذي يحتك بكتفك في الأسواق ومحطات المترو وفي ثنايا الزحام أو يأخذ دورك في ال (Q) .. بدون قصد.. يبادرك بكلمة معذرة.. وهكذا تدور عجلة الحياة بتفاصيلها اليومية المفرحة والهادئة.. لا توتُّر.. ولا شحناء ولا بغضاء ولا خصومات ولا حتى نظرات شذرة أو تجهم.. وبذلك يتسربل المجتمع بروح التسامح والحب والإخاء.. وما شاهده ذلك الدبلوماسي ولمسه هو في الواقع أسُّ السلوك الإسلامي القائم على التصافي والابتسام.. وكما قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: (إن تبسمك في وجه أخيك صدقة) وقال كذلك: (افشوا السلام بينكم)، لا لشيء سوى لإشاعة المودة بين الناس، لدرجة أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون لبعضهم البعض: هيا إلى السوق لنفشي السلام.. لم يكن قصدهم بالطبع الذهاب إلى هناك لجني الأرباح أو عقد الصفقات ولا حتى للبيع والشراء بمفهومه العام.. إنما لإحياء إحدى سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.. لذلك لا أجد سبباً وجيهاً لأجواء التوتر والانقسام التي تظللنا بين الحين والآخر، أو بالأحرى توجعنا بلسعاتها المحرقة.. { إذا أخطأت في حق أخيك قل له: عفواً.. أنا آسف.. لم أكن أقصد إيذاءك.. وإذا قدم لك أخوك خدمة.. قل له شكراً.. يدِّيك العافية.. لا عدمناك.. وعندما نتخلص من ملامح العبوس والتجهُّم على مستوى الأفراد ومن ثمّ الشرائح المجتمعية المختلفة، وصولاً للساسة وأهل الحل والعقد، نتحاور على قاعدة (إن نصف رأيك عند أخيك..) ونستمع بعمق إلى بعضنا البعض ونتجادل بالتي هي أحسن.. وصولاً للحلول المثلى لمشاكلنا.. لا لإثبات الذات أو تحقير وتسفيه آراء من يختلفون معنا.. وليكن دائماً في خاطرك وبيتك وفي شارعك العريض مساحة للآخرين.. ولا نقول الرأي والرأي الآخر.. لأن مثل هذه (الديباجات) التي تعلقها الفضائيات فوق واجهاتها لا تمنحنا الكثير من الحكمة.. والحكمة ضالة المؤمن، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، كما حدثنا بذلك القرآن الكريم. { ما أهدف إليه من وراء كل هذه المقدمة المطولة.. هو الحراك السياسي الممتد منذ أسابيع واللقاءات المطولة بين الحكومة والمعارضة.. لا سيما الأحزاب الكبيرة ذات البرامج المتشابهة دون التقليل - طبعاً - من شأن الأحزاب الأخرى.. أحزاب مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الأصل وحزب المؤتمر الوطني الحاكم.. بكل ما تملكه من خبرات ثرة في شأن السودان.. كيف تأخذ وتعطي طوال هذه المدة وعمر الشعوب يُقاس بالساعات لا بالأيام.. وأقول لهم: بالله عليكم ارحمونا وارحموا هذا الشعب الحر الأبي بأن تلتقوا عند نقطة ما.. سمُّوها ما شئتم.. حكومة ذات قاعدة عريضة.. أو حكومة ائتلافية أو حكومة قومية.. أو محض حكومة تمضي بهذا الوطن الجميل نحو آفاق الحرية والكرامة الإنسانية والنماء والتطور دون منٍّ أو أذى، وألا يكون تقاسم السلطة والثروة هو الغاية، وأن يتم توزيع المناصب والحقائب الوزارية بمبدأ الإيثار ونكران الذات وإعلاء معايير الكفاءة على الولاء ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب كما يقولون، وبالله التوفيق.. لواء شرطة (م) عبد الغني خلف الله الربيع