قرار إثر قرار، وإدانة تلو أخرى، اتهامات بالإخفاق والفشل في التوصل للحلول مع انتشار سرطاني للأزمات، كل هذا حدا بمجلس الامن الدولي أن يوفد ممثليه للسودان، في مهمة اعتادت الحكومة في الخرطوم على شاكلاتها في منصرم الأعوام، حيث سبقت الزيارة المرتقبة زيارة في أكتوبر المنصرم قبيل الاستفتاء على المصير للوقوف على اكتمال ترتيبات المسألة. اجتماع المجلس المرتقب يعد الرابع من نوعه لبحث قضايا السودان، حيث جاء الاجتماع الأول في نيروبي في منتصف نوفمبر من العام 2004م وكان مكرساً لاتفاقية السلام بين الشمال والجنوب. وتلاه الاجتماع الثاني الذي كان في الخرطوم في يونيو 2008م ضمن جولة لخمس دول إفريقية منها كينيا والكونغو وأفريقيا الوسطى، مع زيارة دارفور، أهم أجندته، والثالث هو المشار إليه في صدر هذا التقرير في التاسع من أكتوبر 2010. منسوبو مجلس الامن سيدخلون في لقاءات مع مسؤولين كبار في حكومتي الشمال والجنوب مع زيارت مرتقبة لمناطق لم يحسم أمرها - بحسب الحكومة - بعد شروط وضعتها أمام الوفد لزيارة مناطق دارفور وأبيي ومثيلاتها من مناطق الصراع، وكأنها - الحكومة - لسان حالها ينطق بالمأثور السوداني: «الزائر في يد المزيور»..!! الخرطوم ترنو إلى الزيارة وتسعى لمحاصرتها والتقليل من شأنها، رغم أنها معنية بكل الملفات والشواغل التي تقلق السودان في مسار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بكل قضاياها العالقة في ترسيم الحدود والنفط والعملة والجنسية وغيرها من القضايا المعلقة بين الوطني والحركة الشعبية، ودولة الجنوب المتوقع ولادتها عقب الإعلان الرسمي للانفصال، بجانب الأزمة التي ما زالت تراوح مكانها بشأن وضع القوات الدولية الموجودة بمسمياتها، (اليوناميس) في الجنوب والنيل الأزرق وجنوب كردفان وقوات الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي العاملة في دارفور (يوناميد)، وبحث قرار التمديد لها بالبقاء في الأراضي السودانية إلى ما بعد التاسع من يوليو بعد مطالبات الحركة الشعبية المتكررة ببقائها وبين تحفظ الخرطوم على التمديد لها، بعد أن باتت القوات الدولية هي الأخرى في مرمى نيران وهجمات صياديها، وما أن تفلت من هجمة أو كمين إلا وتقع في الآخر، آخرها ما حدث للقوات الأممية والقوات المسلحة السودانية على بعد 10 كيلومترات عن أبيي فجر أمس (الجمعة) بعد أن أعلنت القوات المسلحة عن مقتل 22 من قواتها وإصابة آخرين في هجوم شنه الجيش الشعبي التابع للجنوب على قواته وقوات من بعثة حفظ السلام بمنطقة (أبيي) المتنازع عليها. الهجوم قال عنه نائب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني اللواء صديق عامر في مؤتمر صحافي بمقر وزارة الدفاع (إن قوات الجيش الشعبي نصبت كميناً لسريّتين من الجيش قوامها نحو 200 عسكري أثناء تحركهما من خارج (ابيي) إنفاذا لاتفاق إعادة انتشار القوات المشتركة بين الشمال والجنوب الذي وقع في كادقلي)، موضحاً أن قوات الجيش السوداني كانت برفقة قوات أممية على متن ست ناقلات تابعة للقوات الدولية وأربع تابعة للجيش السوداني، بعد أن استبقت أبيي الزيارة بإعلاء صوت الذخائر والسلاح. زيارة مجلس الأمن طغى على حيثيتها صراع دبلوماسي عنوانه الأبرز (مقابلة والي جنوب كردفان المنتخب أحمد هارون)، فالرجل - الذي أفرزت صناديق الاقتراع في الولاية المتاخمة للجنوب فوزه على مرشح الحركة في انتخابات وُصفت بالنزيهة من قبل (كارتر فاونديشن) ووصفتها الحركة بالتزوير - تعدّه الجهات الدولية الزائرة (مثل وفد مجلس الأمن) مطلوباً في جرائم تتعلق بالإبادة، وتصر الخرطوم على أنه الممثل الشرعي لشعب الإقليم. في الأثناء تنتظر الوفد عدة قضايا لا تزال تؤرق المجتمع الدولي، دون أن تجد حلاً، ويبدو أن هذه الظروف هي التي دفعت مجلس الأمن للتحرك نحو الخرطوم وجوبا، فالخوف من اندلاع حرب جديدة بين الطرفين يظلل المشهد برمته على خلفية التوتر القائم الآن والاتهامات الاقتصادية والأمنية الموجهة من حكومة الجنوب نحو الشمال، والشكاوى المتكررة ضد الحكومة من الجنوب ومن بعثة الأممالمتحدة بشأن القصف الجوي المتكرر في دارفور. الحكومة من جهتها ما انفكت تشكو من تاريخها في الخذلان مع مجلس الأمن الدولي الذي أصدر عدداً من القرارات ضدها وفرض عقوبات اقتصادية عليها وشرّع لدخول القوات الدولية أرض السودان، ولوفد مجلس الأمن سابقة دونتها مضابط تاريخ ولاية شمال دارفور بعيد المواجهة التي دارت بين والي شمال دارفور عثمان محمد يوسف كبر ومندوبة الولاياتالمتحدة سوزان رايس، خاصة وأن لها سابق عهد بكيل الاتهامات للسودان عندما وصفت قرار طرد (13) منظمة إغاثة في دارفور بأنه «قاس وطائش»، وليست «رايس» فحسب، فكل مجلس الأمن يسلط سيف الأزمات والعقوبات في وجه حكومة الخرطوم كما تتهمه دائماً. أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفسير حسن الساعوري بدا جازماً، حينما استنطقناه حول مدلولات الزيارة، بأنها تهيئة لاتخاذ قرار جديد من مجلس الأمن ضد السودان، وأن الوفد جاء باحثاً عن مبررات مناسبة لاتخاذه، وقال ل (الأهرام اليوم) إن مجلس الأمن قصد من ابتعاث كامل عضويته للسودان حتى يقول أعضاؤه عقب عودتهم من الميدان إننا ذهبنا إلى أبيي ودارفور والتقينا بدينكا نقوك والمسيرية، ويرفعون في تقاريهم «أننا رأينا الخراب والدمار وأن الحرب يمكن أن تشتعل في أبيي وأن الوضع في دارفور مأزوم وبقية القضايا عالقة» حتى يجدوا سنداً لقرارتهم. واعتبر ما وقع في أبيي من قتل وصدامات بين الجيش والجيش الشعبي قبل ساعات من وصول وفد مجلس الأمن للسودان مجرد «شرك» من الحركة الشعبية بالتنسيق مع شركائها ومستشاريها الأمريكان المتواجدين في الجنوب. الساعوري اتهم الحركة الشعبية باستدراج الجيش السوداني وقواته الموجودة هناك لافتعال أزمة والرد عليها بهجوم مضاد حتى يأتي وفد مجلس الأمن ويقرر أن الأوضاع في أبيي تنذر بحرب، حتى يقرر المجلس التمديد لقوات الأممالمتحدة الدولية، وأضاف: الجيش تصرف بحكمة ولم يرد على استفزازات الجيش الشعبي، ولكن مع ذلك لا يستبعد أن يخرج مجلس الأمن بقرارات ضد السودان والشمال بالتحديد. وتوقع الساعوري حدوث ضربة جديدة من قبل الجيش الشعبي في القريب، وتوقع أن تحمل الزيارة بعض إشارات التحذير لما يمكن أن تجنيه الحكومة من عنادها في دارفور وأبيي والحدود بين الشمال والجنوب، مؤكدا نجاح ما أسماه بالطرف الآخر في توصيل حجته ضد الحكومة. أما وكيل الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان فسارع إلى التأكيد ل (الأهرام اليوم) بأن الوفد يجري زيارة عادية للخرطوم وجوبا ضمن جولة يجريها في المنطقة الأفريقية ولتفقد بعثاته والتعرف على الأوضاع في السودان عقب الاستفتاء على الأرض، واعتبر الحديث عن طلب الوفد لقاء الوالي أحمد هارون من عدمه زوبعة وإعلاماً أكثر من كونه حقائق، ووضع ما نفذته الحكومة أمام الوفد ومطالبته بالمساعدة في ما لم ينجز. في الأثناء لم يستبعد الساعوري أن تواجه الخرطوم عقب عودة الوفد، مزيداً من الضغوط الدولية، خاصة بشأن أبيي ودارفور، مؤكداً على أنه سوف يصدر القرار من مجلس الأمن وينفذه الأمريكان، مضيفاً بالقول: (ما أن يزور وفد من مجلس الأمن السودان، الا ويصدر قرار ضده)..!! لم أجد مع رنة عبارة الرجل الأخيرة إلا وأن أردد خلفه كلمات (فاضلابي) التي تتغنى بها مجموعة عقد الجلاد بذات الرتم المتسارع: (كلما نقول كملنا الليل تطلع ليلة باكر أطول.. كلما نقول كملنا الشيل.. تطلع شيلة باكر أتقل)..!!