توقفت في الأيام الماضية حركة الملاحة النهرية والجوية والبرية بين الشمال والجنوب، وأصبحت دولة جنوب السودان الوليدة في شبه (عُزلة).. وارتفعت الأسعار بصورة صارخة و(جنونية) واتجهت حكومة الجنوب للبحث عن أسواق جديدة في كينيا وأوغندا.. ودمغ جنوب السودان حكومة الخرطوم بالعمل على فرض حصار تجاري واقتصادي وعُزلة كبيرة عليه بوقف عملية انسياب السلع الغذائية عبر الحدود والرحلات الجوية، في وقت شكا فيه أصحاب شركات الطيران من أزمة واجهتهم بسبب قرار إيقاف نقل السلع التموينية إلى جوبا وسط توتر نشب بين الدولة الجديدة والدولة الأم. وكانت حكومة الجنوب وضعت خُطة استراتيجية طويلة المدى خاصة بتوفير السلع التموينية من دول الجوار عبر إبرام اتفاقيات تجارية وتعاونية، واستيراد المواد الغذائية عن طريق جسر جوي قوامه (10) طائرات أوكرانية ردّاً على إغلاق الطريق بين الشمال والجنوب. وقالت جوليا ناتالي ل “الأهرام اليوم” إن المجموعات السُكانية في الولايات الحدودية مع الشمال تأثرت كثيراً بإغلاق الحدود، ودعت إلى ضرورة التعايش السلمي بين كافة القبائل بغض النظر عن انفصال الجنوب. وكان زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي وجه انتقادات لاذعة لإغلاق الحدود التجارية بين الشمال والجنوب خلال الأسبوعين الماضيين، وكشف عن اتصالات أجراها مع قيادات بالمؤتمر الوطني والحركة الشعبية أكدا خلالها عدم اتخاذهم للقرار الذي وصفه ب (الجائر)، وشدّد في مؤتمر صحافي وقتها على ضرورة فتح تحقيق في الحادثة لجهة أن أي قرار انفرادي يتصل بالحدود (جريمة) ضحاياها المواطنون الأبرياء وأردف: (عشان ما أي واحد يجي تاني يفنجط ساي)، موضحاً أن استخدام الطعام ك (سلاح سياسي) يمثل أحد تعريفات الجرائم ضد الإنسانية. لكن الحركة التجارية عادت بين الشمال والجنوب بعد انقطاع دام لأكثر من أسبوعين.. وبحسب ما رشح من معلومات فإن البواخر النيلية عاودت عملها في أعقاب سماح السُلطات للشاحنات والبواخر النيلية بالتوجه إلى مدينة ملكال.. وأشار أحد أصحاب البواخر النيلية إلى الإقبال الكبير للشحن من ميناء كوستي بعد هطول الأمطار الغزيرة وتعطل حركة الطُرق البرية. وقال القيادي بالحركة الشعبية توماس واني ل «الأهرام اليوم» إن إغلاق الحدود أثر فقط على الولايات الحدودية مع الشمال، ونوّه إلى أن السلع الغذائية للجنوب جزء كبير منها يأتي عبر الطيران خاصة من دولة الإمارات، وأشار إلى أن الجنوب حال اكتمال بنائه وتوسع اقتصاده فإن أقرب دولة لتسويق مُنتجاته هو شمال السودان، ودعا لعدم تأثير خلافات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على الشعبين في الشمال والجنوب. وكانت أسعار الشحن ارتفعت من (120) جنيها إلى (140) جنيها للطن، بجانب ارتفاع سعر برميل الجازولين بمدينة ملكال إلى (1000) جنيه جراء توقف الحركة التجارية، فيما بلغ سعر برميل البنزين (1.700) جنيه، وبلغ سعر جوال السكر (250) جنيها، كما بلغ سعر جوال الذرة (150) جنيها والبصل (120) جنيها، بينما وصل سعر جوال الدقيق إلى (220) جنيها. خطوة إغلاق الحدود أدّت إلى تبادل الاتهامات (النارية) بين قيادات «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية»، فبينما قال أمين عام الحركة الشعبية ياسر عرمان إن المؤتمر الوطني يريد أن يُسقط حكومة الفريق أول سالفاكير ميارديت على طريقة ما كان يحدث بين بيروت ودمشق في سبعينيات القرن الماضي، نفى أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني الحاكم إبراهيم غندور تلك الاتهامات، وقال إن الشمال ليست لديه مصلحة لفرض حصار اقتصادي على الجنوب، ونوّه إلى أن الشمال يسعى إلى مصلحة مواطنيه ومصلحة أهله في الجنوب، وأرجع امتناع التجار من الذهاب جنوباً إلى ما أسماها تدخلات الجيش الجنوبي وبعض قطاع الطرق في مناطق كثيرة، بجانب ما تعرضت له البواخر النيلية من سلطات الجنوب. إلا أن وزير التعاون الاقليمي بحكومة الجنوب دينق ألور قال إن مُبررات غندور غير صحيحة ومحض (افتراء)، وكشف لصحيفة «الحياة» اللندنية عن إيقاف عشرات الشاحنات المُحملة بالأغذية على الشريط الحدودي في أعقاب منعها من سلطات الشمال من العبور جنوباً، نافياً اعتراض الجيش الشعبي للتجار الشماليين لوجود الآلاف منهم في الجنوب والقُرى النائية دون اعتراضهم، ونوّه ألور إلى وجود سياسة وقرارات من الخرطوم بمنع البضائع من العبور إلى الجنوب، ووصفها بالمحاولة «الفاشلة» لإثارة المواطنين ضد حكومة الجنوب، لافتاً إلى وضع حكومة الجنوب لخطة بديلة وفتح الحدود مع الدول المجاورة. وكانت حكومة جنوب السودان شرعت في اتخاذ عدة إجراءات لاحتواء الآثار المترتبة على توقف حركة البضائع من الشمال قبل ما يزيد عن الأسبوعين، وكشف المدير المالي والإداري للغرفة التجارية بجنوب السودان وليم إكيج طبقاً لما أورده «راديو مرايا» عن خُطة وضعت بالتعاون بينهم ووزارة التجارة بحكومة الجنوب تشمل تقديم دعم حكومي لاستيراد السلع الأساسية مع تخفيض الرسوم الجمركية والضريبية عليها، لافتاً إلى أن الخُطة تشتمل أيضاً على دعم ستقدمه حكومة الجنوب من المخزون الاستراتيجي للأغذية في الجنوب. في السياق انتقل ارتفاع الأسعار في الجنوب إلى المواصلات العامة جراء الارتفاع المستمر في أسعار الوقود منذ منع تدفق البضائع، وارتفعت تذكرة الرحلة بالبص من جوبا إلى (كاجو كاجي) بولاية الاستوائية الوسطى إلى (80) جنيها، وقال رئيس اتحاد السائقين ب (كاجو كاجي) «يحي مولوكات» إن سعر لتر الوقود وصل إلى (5) جنيهات بدلاً عن ثلاثة جنيهات قبل أسبوعين. بيد أن مدير موانئ جنوب السودان «جاكوب دانيال» كشف عن مُعالجات عاجلة أجرتها حكومة الجنوب لتقليل الصدمة الاقتصادية بسبب ما أسماه الحصار الاقتصادي الشمالي، ونوّه إلى إقدام جوبا على عمل تسهيلات كبيرة للتجار في الجنوب لاستيراد سلع من دول جوار أفريقية وفتح الحدود مع كينيا وأوغندا وإثيوبيا لتدفق حركة التجارة. من جهته كشف اتحاد عام غُرف النقل عن توقف حركة التجارة بالجنوب نتيجة للمشاكل الأمنية ما أدّى إلى تكدس شاحنات البضائع بولاية النيل الأبيض. وقال الأمين العام للغرفة القومية للواري والدفارات بالاتحاد «شمس الكمال دياب» إن سائقي الشاحنات تعرضوا إلى أذى جسيم من قبل بعض المُنفلتين بالجنوب، واستيلائهم على الشاحنات والبضائع الأمر الذي أدّى لتوقف انسياب حركة التجارة بالجنوب، لافتاً إلى تكدس عدد كبير من شاحنات البضائع المتجهة إلى الجنوب.