• أجهزة للكشف عن المتفجرات، وقوات شرطية، كانت منتشرة في المحيط الخارجي للقاعة الرئاسية وما يجاورها أمس (الاثنين)، وفي الأنحاء يرابض كلب بوليسي عند مدخل قاعة الصداقة للحيلولة دون كل ما يعكر صفو الأمن في المؤتمر الثامن للجنة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية (السيسا). •انقطاع حركة المارة في شارع النيل أمر غير متوقع في مثل هذا الوقت من اليوم، وهو ما كان ينبئ الجميع بأنه يوم غير عادي، لقد جاءت أفريقيا بقيادات مخابراتها إلى الخرطوم، تضع تقاريرها الأمنية وتدققها من أجل المستقبل ودراسة الصراعات ومآلات الانتفاضات الشعبية التي باتت تؤرق المضاجع. • إجراءات أمنية غير مسبوقة، أهل الإعلام والصحافة وصلتهم الدعوة مبكراً ووضعت إدارة الإعلام بجهاز الأمن اللون الأصفر في ديباجاتهم، كأني بهم يمتثلون لأمر المأثور من مقولات الشارع العام: «الأصفر عشان يظهر».. يبدو أن الإدارة تحوطت لكي لا يختلط مخبرو الصحافة مع رجالات المخابرات فينقلون الهمس إلى تقاريرهم الصحفية، فخصصت للمحررين ورؤساء التحرير مكاناً بعيداً عن مرصد السمع..!! { رفرف العلم الليبي الأخضر في قاعة الصداقة، ومن خلفه جلس رئيس وفد مخابرات معمر القذافي يخفي كل شيء. اقتربت منه بحذر، سألته عن الاسم؛ لم أجد جواباً. سلمت عليه مرة أخرى قبل أن يبدأ الخطاب الرسمي في الجلسة الافتتاحية، كان ضباط المخابرات باختلاف جنسياتهم ينظرون إلينا، قلت له أريد إجراء حوار صحفي معك، رد باقتضاب: «نحن لا نتحدث للإعلام، من أنت؟»، ذكرت له اسمي ومؤسستي الصحفية، باغتني بسؤال: «كيف أحوال السودان؟»، رددت عليه: «إنه بخير حتى الآن». تحولت إلى معتقل لدى المخابرات الليبية وخضعت لاستجواب بمحض إرادتي في بلدي..!! الرجل ذكي ويجيد فن استخراج المعلومات والتمويه، وجدت نفسي أحكي له عن واقع الصحافة السودانية وحالها، كان مهتماً بالتفاصيل لدرجة أنه يعرف من الصحف ما لها موقع على شبكة الإنترنت. مقابلتي معه لم تستغرق سوى (5) دقائق وطلب مني في نهاية الأمر أن أتوجه بأسئلتي إلى السفارة الليبية بالخرطوم. تدخل أحد ضباط المخابرات الليبية، الذي يبدو أن رتبته العسكرية أقل منه، قال له: «صحفي من الأهرام اليوم»، وغمز بعينيه فأكملت له: «الأهرام اليوم السودانية»، قال الضابط الليبي لرئيسه: «الأهرام اليوم التي يرأس تحريرها الهندي عز الدين». يبدو أن المخابرات الليبية تتابع ما يكتب عن العقيد معمر القذافي بحرص شديد، فهل لغمز رجالات القذافي علاقة بما كتبه الأستاذ الهندي عز الدين في سلسلة مقالات عن الأوضاع في ليبيا. ابتسم وصافحني وسألته سريعاً: «أين خليل؟»، قال لي: «خليل من؟»، قلت له: «خليل إبراهيم؟»، ابتسم وقال: «لا أعرف مكانه»، وتوارى خلف حجاب. { عزف السلام الجمهوري بالقاعة بعد أن جاء الرئيس البشير إلى المنصة، وجلس إلى جواره رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ، ومدير المخابرات السودانية الفريق أول محمد عطا المولى، والأمين التنفيذي ل(السيسا) إسحق مويو، ورئيس (السيسا) العقيد فليب أوبارا مدير مخابرات الكنغو، الذي قال للحضور: «الثورات في مصر وتونس دفعت بأمواجها إلى اليمن وليبيا، ولا يمكن أن نكون غير مبالين، هذه الثورات تقتضي من القادة الأفارقة أن يكونوا أكثر إنصاتاً، مكونات الانتفاضة موجودة في بلداننا». ورأى فليب أنه لا يمكن للقادة الأفارقة أن يقفوا متفرجين على القرارات التي اتخذها المجتمع الدولي تجاه ليبيا باستثناء لأفريقيا، وقال: «سلاح حكوماتنا يجب أن يكون الحوار الذي يحمينا من إرادة أقوياء العالم ويحل مشاكل دولنا». { مويو دعا إلى مكافحة قوى الشر وصنفها في نشاط القاعدة في المغرب الإسلامي، وجيش الرب، وحركة الشباب المجاهدين، ومنظمات إرهابية تترك أثراً سلبياً في القارة - بحسب قوله. { الفريق أول مهندس محمد عطا المولى قال إن لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا أصبحت مؤهلة لتكون الرافد الرئيسي للمعلومات الأمنية لمجلس السلم والأمن الأفريقي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، لتمكينها من القيام بدورها. وأشار إلى حرص السودان على تحقيق الاستقرار عبر دعمه المتواصل والتنسيق مع جيرانه، وكشف عن إسهاماتهم في مساعدة أوغندا على محاربة جيش الرب، وتفكيك المعارضة التشادية ومحاربتها. وأضاف: «الخرطوم استضافت القمة الثلاثية بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى لتأمين الحدود بين تلك الدول وتطوير آليات العمل المشترك». { عطا قال إن السودان ضرب مثلاً في الوفاء بالعهود واحترام الحقوق والمواثيق عبر تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي شهد العالم على نزاهتها وشفافيتها، واختار أبناء الجنوب عبرها خيار الانفصال، وأضاف: «أدينا دورنا فيها بنزاهة». { مفوضية الاتحاد الأفريقي ومدح البشير { من بعده تحدث رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ ومدح الرئيس البشير قبل أن يتحدث عن المشاكل التي تواجه القارة الأفريقية، والتغييرات السياسية التي وصفها بالكبيرة في تونس ومصر وساحل العاج، والأزمة في ليبيا، ودعا إلى الاستفادة من دروس هذه الأزمات وذلك ببذل المزيد من الجهد والتنسيق. { جان بينغ أوضح أن (السيسا) يمكن أن تصبح جهازاً فاعلاً ومهماً يخدم القارة في مجالات التحول الديمقراطي السلمي ومحاربة تجارة السلاح والأمراض والعمل على دعم الاستقرار ومساعدة الاتحاد الأفريقي ورفده بالمعلومات والتحليلات التي تعين المنظمة في حل قضايا القارة التي تهددها عوامل عدم الاستقرار السياسي والصراع حول السلطة وهجرة العقول إلى أوروبا وانتشار الأمراض وانعدام البنى التحتية، وقال: «هذه المهددات ما زالت موجودة وربما تصبح أكثر خطورة». كما رأى أن الانتخابات أصبحت من مصادر الصراع وعدم الاستقرار. { قبل تقديم الرئيس البشير، قال محمد عطا: «أقدم إليكم رجل السلام والمناصر لقضايا أفريقيا الثائر الذي لم يهدأ ولم يستكن ومفجر ثورات النهضة والتعليم، سيادة الرئيس عمر البشير». { البشير في خطابه اعتبر أن بلاده هي قلب أفريقيا الداعي إلى وحدتها والساهر على أمنها. وبخصوص الدولة الوليدة في الجنوب قال: «سنكون نحن أول المرحبين والداعمين للكيان الجديد في الجنوب». { الرئيس أطلق بشارته بقرب استكمال سلام دارفور ومقدماً تحيته لقوات (يوناميد) العاملة في الإقليم، وقال إنها أكدت أن الأفارقة قادرون على حل قضاياهم بأنفسهم، ودعا (السيسا) إلى تزويد (يوناميد) بالمعلومات الصحيحة والسياسات الأمنية. { اللواء الهادي بشرى نائب مدير جهاز الأمن الأسبق في إفادته ل(الأهرام اليوم) اعتبر المؤتمر فرصة طيبة لمديري الأجهزة الأكثر قرباً من المعلومات المخفية والواضحة والأكثر قدرة على تحليلها للوصول إلى أفكار جديدة حول السلم والأمن في القارة الأفريقية، واصفاً مثل هذه المؤتمرات بأنها خطوة متقدمة جداً لوحدة أفريقيا في المستقبل وتوحدها من أجل حل مشاكلها، قبل أن يضيف: «قادة الأجهزة الأمنية هم الأداة الأولى لحل المشاكل وأعتقد أنه إذا توفرت الإرادة السياسية في المستويات العليا ووضعوا الانتباه فإن أفريقيا موعودة بالتقدم». { بشرى نفى صفة الفشل في تنبؤ الأجهزة الاستخباراتية بقيام الثورات الشعبية، وقال: «هذه الأجهزة قادرة على التنبؤ في دولها والدول المجاورة، وقراءة سلوك المجتمع ليست بالمسألة الصعبة، الشعوب وصلت مرحلة من الوعي تمكنها من تقييم الأوضاع، والتعليم ارتفع مستواه وانتقال المعلومات في كل العالم، والمواطن يتلقى المعلومة في لحظتها، وليست هناك مشقة حول ماذا يحدث، والهبات تقوم وتكسر السور عندما يصل الشعار إلى «ارحل، كفاية زهجتنا»، والشباب قادرون على أن يعيدوا تنظيم أنفسهم بصورة تؤدي إلى نتائج إيجابية، وهذا لا يغني عن حكمة الشيوخ، حتى الذين هرموا من أمثالي»، قالها ثم ضحك. { نائب الرئيس علي عثمان محمد طه يخاطب في السابعة من مساء اليوم (الثلاثاء) الجلسة الختامية للمؤتمر، كما وتعقد اللجنة العليا للمؤتمر مؤتمراً صحفياً عقب الجلسة الختامية لاستعراض نتائج وتوصيات المؤتمر وقراراته.