ويبدو أن ما يسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية سيصبح مثل حكاية (مسمار جحا). قيل إن جحا قد باع بيته إلا موضع مسمار قال إنه ليس للبيع، فطفق من فترة إلى أخرى يطرق الباب بحجة أنه يود أن يعلق جلبابه على المسمار، الذي لم يكن ضمن عملية البيع، ثم لا يلبث أن يأتي ليأخذ جلبابه مرة أخرى. وفي المقابل بدا أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد باعت (وحدة السودان) وقبضت الثمن من «الممولين الكبار» من وراء البحار، ثم تود أن تجعل ما يسمى «قطاع الشمال» بمثابة مسمار جحا، على أن يكون لها موطئ قدم في الشمال لخدمة أجندة خبيثة، فالحركة الشعبية التي تتشكل أجندتها من الثأرات الدفينة والأحقاد التاريخية؛ لا يسرها أن تذهب جنوباً وتترك وراءها دولة شمالية متماسكة. وثقافة «النجمة أو الهجمة» التي استخدمها قطاع الشمال «لزعزعة الأمن والاستقرار» في جنوب كردفان، هي الثقافة ذاتها التي سيستخدمها في النيل الأزرق ليصعد بها في نهاية المطاف إلى الخرطوم، فكل ينفق مما عنده، والحركة الشعبية لا تملك أصلاً غير ثقافة الشقاق والعكننة، وهي تنفق منها بغير حساب. هل تسمح حكومة الجنوب في المقابل للمؤتمر الوطني بصناعة دار كبيرة في حي «الملكية جوبا» على غرار دار الحركة الشعبية بحي أركويتبالخرطوم، على أن يقوم المؤتمر الوطني هناك بعقد المؤتمرات الصحافية وإصدار البيانات كما يفعل السيد ياسر عرمان في الخرطوم؟ واقع الحال يقول إن الحركة الشعبية لن تسمح للقائد الجنوبي التاريخي الدكتور لام أكول الذي يحمل نسخة أخرى من الحركة الشعبية، التغيير الديمقراطي، بأن يتمدد هناك ويعقد المؤتمرات ويعمر الساحات، فضلاً عن المؤتمر الوطني «الشريك اللدود». سيصبح لا محالة «قطاع الشمال» بعد التاسع من يوليو القادم بمثابة «الطابور الخامس» لا سيما إن تطاولت الحرب بين الدولتين على تلك الحدود المرهقة التي تقارب الثلاثة آلاف كيلو متر، سيكشف كل أوراق وخطط «حكومة الخرطوم» كما يحلو لبعضهم. صحيح أننا سنعترف بالسيد عقار، بأنه منتخب من شعب النيل الأزرق كوال لولاية شمالية، على أن يوفق أوضاعه بعد التاسع من يوليو مع الحركة الشعبية، وسيكون هناك جيشان جيش القوات المسلحة ويتبع لحكومة السودان، وجيش الحركة الشعبية ويتبع لحكومة دولة الجنوب، وبطبيعة الحال سيذهب جيش الحركة جنوباً ويبقى جيش القوات المسلحة في الشمال. أما السيد ياسر سعيد عرمان بعد التاسع من يوليو فسيكون مواطناً عادياً بدولة الشمال، ولن تكون له أية صفة دستورية أو شرعية، فهو ليس وزيراً، كما أنه ليس عضواً بالبرلمان، فالحركة الشعبية التي ظل في خدمتها لعقود من الزمان اختارت الرحيل جنوباً، فإما أن يلحق بها إذا أراد أن يمارس أنشطة سياسية، أو أن يبقى بالشمال شريطة ألا يمارس أي نشاط من شأنه تقويض النظام والأمن. وإن لم تذهب الحكومة لتصفية هذا القطاع بعد التاسع من يوليو، في إمكاننا كشعب أن نخرج في مظاهرة حاشدة تحت شعار (الشعب يريد إسقاط قطاع الشمال) ويفترض أن الصحافة كسلطة رابعة لن يهدأ لها بال حتى نرى الخرطوم خالية من هذا الطابور الخامس الذي يسمى «قطاع الشمال».