{ كنت وما زلت أخشى الدراجات النارية، وربما يعود ذلك لحادث قديم وقع لي منذ سنوات وكان سببه هذا «الموتر» اللعين، إلى جانب أنني أشعر أن هذا «الموتر» مركبة بها مس من الجنون، تجعل قائدها في حالة من الاستعداد الدائم للمجازفة وحب المغامرة، لهذا كلما رأيت «موتر» في الطريق ظننت أنه سيتسبب في حادث مروري يلحق الأذى بصاحبه أو بالآخرين، ولا زلت أندهش وأتساءل عن كيفية التحكم في هذه الآلة وجعلها تمضي قدماً بينما هي تخترق الهواء ويقودها سائقها وهو في العراء. { الآن، أضيفت لمخاوفي من «الموتر» أسباب جديدة، موضوعية وخطيرة، ويبدو أنني لن أشفى من عقدته قريباً أو نهائياً، فقد قدر لي، وأنا أمارس هواية الفرجة عبر الطريق أن أشهد سيناريو مخيفاً بطله الموتر وسائقه وفتاة لا حول لها ولا قوة. فقد لمحت - عرضاً - (موتر) يخرج من طريق جانبي نحو الطريق العام و«المواتر» دائماً ما تسترعى انتباهي دون إرادة مني، وخيل لي أن قائده يمعن في ملاحقة فتاة في مقتبل العمر خرجت للدراسة أو العمل واتجهت لموقف المواصلات، في البداية ظننت أنه يتبعها بغرض المعاكسة وامتعضت لذلك، ولكن فجأة زادت سرعة ذلك «الموتر» ومر بقرب الفتاة كالصاروخ لينتزع قائده حقيبة يدها بقوة حتى ألقاها أرضاً وهي تصرخ وتستغيث والكل في ذهول. { وقبل أن ننتبه من هول الصدمة، إذ بفتى سوداني - من الذين لا تزال لديهم بعض الشهامة - يمتطي سيارته الفارهة ويسرع خلف الموتر وصاحبه اللص الحقير وبدأت مطاردة خطيرة لا تساعد شوارعنا على تسهيلها، وتفرغنا نحن - المشاهدين - كالعادة انتظاراً لما ستسفر عنه هذه المطاردة، ترجلنا من السيارات وخرجنا من المحلات والبيوت القريبة وتحلقنا حول الفتاة وهي تبكي بحرقة وتعدد أوراقها الثبوتية ومقتنياتها الثمينة التي بالحقيبة من بين دموعها وخوفها وذهولها مما حدث، وبدأنا نواسيها ونخفف مصابها ونتحدث عن تفاصيل وأبعاد هذه الواقعة المخيفة والتي أكد العديد منا أنها أصبحت شائعة ومتكررة، وأصبح «لص الموتر» شخصية معروفة في مجتمعنا لا ينجو منه رجل ولا امرأة، ويصعب دائماً اللحاق به، وغالباً ما يستخدم (موتر) دون لوحات ومن النوع الصحراوي السريع، وبدأ البعض يحكي مشاهداته لوقائع مماثلة كلها تؤكد أنها بدعة إجرامية مستحدثة ومستوردة تؤكد أننا في خطر داهم ونفتقر للإحساس بالأمان في بلدنا هذا. { وأخيراً، عاد الفارس الهمام، الذي عرفنا بعد ذلك أنه واحد من رجال سلاح الطيران برتبة الملازم أول ويدعى «مصعب إبراهيم» ومعه رفقة ميمونة وقد أكبرنا فيه جميعاً هذا التجرد والإحساس بالمسؤولية و«حرارة القلب» في زمن أصبح فيه كل واحد منا يقول يا نفسي ولا يعنيه أحد أو شيء. وبالاستماع لتفاصيل المطاردة علمنا أن قائد الموتر كان من المهارة بمكان وكأنه تدرب على المراوغة والهروب، إلا أن ضابطنا الحريف تمكن من اللحاق به والاصطدام به حتى سقط داخل «خور» جانبي، غير أن المدهش حقاً أنه - وحسب رواية الشهود - قد قفز من الخور ممتطياً موتره في ثوانٍ معدودات وانطلق هارباً من جديد - ولا رجل المستحيل في زمانه - مخلفاً وراءه الحقيبة المنشودة بعد أن ألقاها باتجاه حضرة الضابط الذي آثر أن يعود بالحقيبة لصاحبتها المكلومة بدل أن يعود من جديد لمطاردة هذا اللص والتي لا يحمد عقباها، وقد وجدت الفتاة كل محتويات الحقيبة كما هي عدا هاتفها الجوال الذي كان في الجيب الخارجي فاجتهد اللص - أثناء المطاردة - في الاستحواذ عليه حتى لا يعود بخفي حنين ربما لأنه أدرك أن المطاردة ليست في صالحه، والحمد لله وانتهت الواقعة، وبدأت مخاوفنا تكبر، فاحذروا «الموتر» وفي رواية أخرى «الركشة» وقد يتطور الأمر للسيارات وليس هناك ما يمكننا عمله سوى التشبث بحقائبنا وجوالاتنا جيداً والبقاء متيقظين محتاطين، أما عدا ذلك فهو مهمة أجهزة الشرطة والأمن، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك من يراقب هذه الدراجات النارية غير المرخصة؟ وهل هناك من يلاحق هذه الوقائع؟ ولم لم يكن هذا الضابط المحترم موجوداً ماذا كان سيكون مصير الفتاة وحقيبتها العزيزة؟ { عموماً.. لم نعد نتوقع أن يعود إحساسنا بالأمان لما كان عليه.. فالبدع الإجرامية في تزايد، والمبادرات الأمنية «محلك سر». { تلويح: احذروا «الموتر».. والإنسان!! مع خالص تقديري للعم «زمراوي» صاحب وكالة «أشكان» للعقارات بيثرب والذي وقف بشهامة واهتم بالواقعة كثيراً.