لفت نظرى وأنا أدخل إلى مدينة شبشة فى ساعة متأخرة من الليل كثرة الحمير فى الشوارع فسألت رفيقى فى الرحلة عن سبب هذه الظاهرة فرد عليّ بإجابة حاضرة أن هذه الحمير دفعت بها إدارة مشروع سكر النيل الأبيض الجديد إلى الضفة الغربية من النيل بعد أن عانت منها أمداً من الدهر، لا سيما وأن غالبيتها من الإناث وتتكاثر بأعداد كبيرة، وقال لى محدثى إن عمليات نقلها قبل جسر الدويم كانت تتم عبر المراكب أما الآن فيتم نقلها ب (الدفارات) ولذلك تتزايد أعدادها بهذا الحجم الذى تراه. منذ سنوات بدأ العد التنازلى للحمار وبدأ ينسحب من الساحة بشكل تدريجى وذلك إثر دخول بدائل نقل جديدة مع تطور وسائل النقل بشكل عام وانتشارها حتى غطت الأرياف التى كانت تعتمد على الحمير وكانت لها أسواق يؤمها الناس من جهات عدة ولها أنواع وأوصاف وكانت تستحوذ على اهتمام الناس بذات القدر الذى عليه السيارات الآن، وأذكر تلك الطرفة التى كانت تطرق بقوة وتكشف المكانة الكبيرة التى كان يجلس عليها السيد الحمار وقد قيل أن رجلاً له مكانته فى قرية ما ويملك حماراً (أبولستك) ولكن رجلاً من عامة أهل القرية سبب لصاحب الحمار إزعاجاً بكثرة طلبه للحمار وفى يوم من الأيام وصاحب الحمار يجلس أمام منزله قدم الرجل المزعج وطلب الحمار فرد عليه صاحب الحمار أن الحمار فى الزراعة وقبل أن يغادر الرجل فإذا بالحمار من داخل البيت ينطلق نهيقه فما كان من الرجل إلا أن وبخ صاحب الحمار وقال له: أتكذب علي؟. فثارت ثائرة صاحب الحمار وهو يستنكر على الرجل قائلاً: أتصدق الحمار وتكذبنى أنا؟. عرف الإنسان الحمار من قبل (12) ألف سنة وكان ذلك فى بلاد الصومال ومن يومها صار الرفيق الدائم للإنسان وهومن جنس الحصان واسم الأنثى (الأتان) وقد قال ابن عباس رضى الله عنه: «جئت على حمار أتان»، ويطلق على الصغير من الحمير (جحش) ويتفاوت ارتفاع الحمير بين (90 140) سم ويعد الحمار الأندلسى الأكثر ارتفاعاً، حيث يصل إلى (160) سم ويقال لصوته (النهيق) ويسمع لمسافة (3) كيلومترات وتصل مدة الحمل إلى (11) شهراً وبعد شهر من الرضاعة يمكن أن يأكل الجحش كافة أنواع الحبوب والأعشاب ولكن يفضل أن تمتد فترة الرضاعة لتسعة أشهر ويعمر الحمار ل (40) سنة ويحمل ما نسبته (30%) من وزنه. وكشفت الدراسات العلمية التى أجريت أن الحمار ذكى وحذر وعنيد بحيث يصعب إرغامه على فعل شىء لا يقبله إلا أنه هادىء عكس الحصان المعروف بعصبيته ويوجد فى العالم (44) مليون حمار فى الصين وحدها (11) مليون وتأتى بعدها باكستان وتليها أثيوبيا ثم المكسيك. شارك الحمار فى الحروب على مر التاريخ بما فى ذلك الحرب العالمية الأولى وكان الجيش الإيطالي يعتمد على الحمير فى المناطق الجبلية لوقت قريب كما يستخدمها الفلسطينيون فى عملياتهم ضد الإسرائيليون وبالذات نقل الأسلحة والمواد وأحياناً يقوم بها الحمار بمفرده بعد أن يحمل بالمواد ينطلق فى مشاوير اعتاد عليها ويعود بعد أن يفرغ حمولته، والحمار هو شعار الحزب الديمقراطى فى أمريكا فى دلالة إلى الصبر. وفى الثقافة العربية تطلق كلمة حمار من باب الشتائم، وفى الثقافة الأوروبية تطلق كلمة حمار من باب العمل المضنى دون مردود لائق أو حتى تمعن طبيعة العمل، أما فى الجانب الدينى فقد كان اليونانيون يقدسونه واقترن عندهم بإله الخمرة، وفى العهد القديم وتاريخ اليهودية جاء أن ملك نابلس يدعى (حامور) وقد قتل على يد أولاد يعقوب عليه السلام، وفى رسومات المسيحية يصور المسيح عليه السلام راكباً على حمار، وفى القرآن ورد ذكر الحمير مرتين (واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). وفى سورة أخرى (كمثل الحمار يحمل أسفارا) صدق الله العظيم. فى جانب الطب فإن لبن الحمير هو الأقرب إلى لبن الأم من البشر وقد كان يستخدم كغذاء حتى 1800ق م وحتى فى مجتمعاتنا فقد كان الناس يستعملون لبن الحمير لعلاج (الكتكوتة)، وقد كان يقال لها (أم قنطو)، أما على صعيد العقاقير الطبية فإن جلود الحمير تدخل فى صناعة المضادات الحيوية وفى بعض المنشطات الجنسية وتخطط بعض الشركات لإطعام القطط والكلاب من لحوم الحمير. بعد هذه السياحة مع الحمير ألم يكن من الأوفق لإدارة مشروع سكر النيل الأبيض البحث عن حلول أخرى غير هذه المعالجات الضيقة النظرة التى تدفع بالحمير بعيداً عن مزارعها وترمى بها فى شوارع المدن والقرى؟!