حادث مروري قديم طبع بفرامله علينا أسرة كاملة، مات بسببه ربّها وعائلها، لخطأ مروري من سائق غير متهور، ولخطأ سلامة لراكب غير متدبر! وما زلنا نلوك يومياً مرّ حزننا عليه ويقلّب سائق السيارة ضميره على نار ضميره الهادئة - كلما دخل شارع عرضي - عقب عفونا كأسرة تؤمن بقضاء الله وقدره في قيادة مركبة حياتنا العامة. عموماً القيادة فن، في الأخلاق أولاً، حيث أنها تفصلنا عن الهمجية والحيوانية، وفي المعرفة ثانياً وأخيراً، فمقدرة السائق أن يوصل نفسه ومن معه إلى بر السلامة هي قدرة إستراتيجية تجعله مطمئناً إلى قادم المشاوير التي سيسيرها، وتجعل الركاب والمستفيدين من قيادته كذلك ذوي بال مرتاح تحت سيطرة يده وفرامله وحزام أمانهم. فالأمان الذي يمكن أن يحققه حزام الأمان، أو حزام الكرسي بحسب ترجمته الحرفية، غير محدودة في حال الصدمات - لا قدّر الله - رغم أن ثقافتنا العرفية الدينية - على الله - تجعل الكثيرين من قائدي المركبات العامة يتجاهلون فكرة قريبة من ذات السياق بأن (اعقلها وتوكل) فيغفلون عن ربط حزام الأمان، اللهم إلا إذا لاح في أفق الزلط (....)، طبعا عارفين منو؟ ومن هنا ابتدرت الأكاديمية السودانية للطرق والمرور فكرة ملتقى السلامة المرورية من منظور علمي تحت شعار (السلامة علم وإعلام) للتعريف بماهية السلامة المرورية التي لا تتعلق فقط بمن ترتكز يداه على مقود عربة، إنما جميع شركاء الطريق. فالحاجة الإنسانية التي تجعل كثيراً من الأسر تفقد عزيزاً لها بسبب تهور أو إهمال أو تغافل مروري، كذلك تقود إلى ضرورة تعريف ومعرفة معنى السلامة المرورية. ومرورك كزائر أو غائر على الأكاديمية يجعلك تصطدم - تمام الاصطدام - بشكل مختلف تماماً عن كل ما تسمعه خارجاً بأنها مجرد جهة لجباية المال للحصول على ورقة تؤهلك للحصول على رخصة القيادة، فكل ما قرأناه مسبقا حول العلاقة المشبوهة بينها وادارة المرور، ووزارة الداخلية والصراع بينها وبين مدارس تعليم قيادة السيارات الخفي والمعلن، كل ذلك ينتفي بمجرد الدخول ومشاهدة علامات المرور داخل المبنى وكمية الدارسين الساعين للحصول على رخصة القيادة، وحتى الحاصلين عليها، الذين يرون أنها تفيدهم دراسياً في تمكينهم من معلومات مرورية علمية تضمن سلامتهم قبل كل شئ، وانتهاءً - ربما الأصح ابتداءً - بفريق عمل الأكاديمية الذي يمكنك أن تضبطه متلبساً بتمام الأناقة والحضور، زياً وابتسامة، مما يجعل المستمع والمشاهد والمعارض يعترف بحقيقة واحدة، أنها مكان محترم بفخامة العلم وسلامة الأداء. والأداء الناضج والظريف من أساتذة الأكاديمية الذين قدّموا مادة علمية وبسيطة للتعريّف بأهمية السلامة المرورية وضرورتها الحاسمة لنتائج الحوادث، جعل جميع الصحفيين والإعلاميين يتبرعون بنهار يوم الخميس الماضي كله إلى بنك معلومات الأكاديمية ليغذيهم رجعياً بالفائدة المعلوماتية التي تكون لنا عونا حياتياً ومهنياً حين التطرق بالحديث عن نسب الوفيات والحوادث المرورية، بل وحتى القانون الجنائي وسلامة الأطفال. التطفل أو الفضول - سمّه ما شئت - جعل من اللقاء البعدي بالرئيس التنفيذي للأكاديمية حلقة نقاش حارة حول العلاقة القانونية بين الأكاديمية ووزارة الداخلية والإدارة العامة للمرور والتشابك الصراعي مع بقية المدارس والخلفيات الخفية فيه. ورغم حرصه على تقديم الرأي والرأي الآخر بتوازن قيادي إلا أن الحقيقة مالت تجاه شارع النطق بالحكم السليم في حق مؤسسة جعلت واحدة من أهم بنود صرفها السنوي على العمل الإنساني لدعم مصابي الحوادث المرورية وأسر ضحاياها. أما تضحيتي بدم يومذاك حركته عاطفة لا شعورية لمعرفة حقيقة، خطأ قديم أفقدني روح عزيز - بتصريف من قدر الله تعالى - وألزمتني بأن أجعل دم قلمي ساعتئذ مهدراً لصالح تعميق مفهوم السلامة المرورية لضمان أرواح محفوظة بإذن الله بين قوسي (تمشي وتجي بالسلامة)