موقف الكونغرس الأمريكي الأخير تجاه السودان وقضاياه ظل محل اهتمام العديد من المراقبين والمشرعين، على رأسهم المجلس الوطني، الذي أفرد له جلسات، فقد أثارت تصريحات بعض نواب الكونغرس المحرضة بخصوص قرصنة طائرة الرئيس البشير أثناء رحلتها إلى الصين الأسبوع الماضي؛ الجدل حول كيفية تعامل الكونغرس مع قضايا السودان، ويرى محللون أن معرفة تركيبة الكونغرس تساعد بدرجة كبيرة في فهم اتجاهاته الحالية مع النظر بعين الاعتبار إلى الدور البارز الذي باتت تلعبه الصهيونية المسيحية بأمريكا في توجيه أجندة الكونغرس، إذ أكد مراقبون أن ذاك الاتجاه سيطر على الكونغرس خلال (24) دورة على مدار العقود الخمسة الماضية. ويعتقد مراقبون أن حرب الكونغرس الأمريكي الأخيرة ضد السودان سبقتها سيناريوهات عدة كانت دوماً تصب في ذات الاتجاه، لكن من كان يضع تلك السيناريوهات ومن الذي كان يحركها، كلما استدعى الأمر، ومن الشخصيات التي تقف وراءها ولمصلحة من؟ { صلاحيات الكونغرس أو المجلس التشريعي للولايات المتحدة مهمته الأساسية هي سن القوانين والتشريعات للدولة، ويتألف من هيئتين هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ويتمتعان بسلطات متساوية، لكن ما يضطلع به من مهام أخرى يفوق تلك الحدود بكثير حسب رأي مراقبين. على أن ما يهمنا الآن هو من يسيطر على الكونغرس ولصالح من تخرج قراراته؟ هنا يرى العديد من المراقبين أن اللوبي الصهيوني استطاع على مدار العقدين الماضيين السيطرة على الكونغرس الأمريكي وعلى اللجان المهمة فيه، خاصة لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الفرعية المسؤولة عن الشرق الأوسط. وأكد محللون أن اللوبي اليهودي في أمريكا، وهم اليهود وعملاؤهم النشطاء، ظل يمارس ضغوطاً على المواطنين الرسميين وخصوصاً المشرعين بغرض التأثير عليهم أثناء ممارسة عملهم، ويؤكد هذا ما صدر في الطبعة الدولية من قاموس «ويبستر» عندما عرف «اللوبي» بأنهم أشخاص يترددون على ردهات المجلس أو أشخاص ليسوا أعضاء في المجلس التشريعي ولا يحملون صفة رسمية أو يشغلون مناصب حكومية يحاولون التأثير على أعضائه أو الشخصيات العامة من خلال الصلات الخاصة بهدف تبني قرار محدد. { مهمة إيباك وعلى ذات النسق يتفق محللون سياسيون على أن لجنة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية المعروفة ب«إيباك» تغول نفوذها على الكونغرس بما فيه الكفاية. هذا الاعتراف الصريح من قبل مراقبين يقودنا إلى التعرف على وسائل تلك اللجنة للتغول على الكونغرس الأمريكي، وقد تسقط بعض الأسئلة من ذاكرتنا إذا علمنا أن لجنة «إيباك» تحرص على الدوام أن يحضر ممثل عنها اجتماعات الكونغرس الأمريكي المفتوحة، وهنا تنحصر مهمته في توزيع البطاقات، وهذا العضو يتصل دون وجل بجميع الموظفين بالكونغرس من أدناهم إلى أعلاهم! أما الاجتماعات المغلقة داخل الكونغرس الأمريكي فيحضرها دائماً عضو من التجمع المؤيد لإسرائيل وهو يطالع سجل الكونغرس بانتظام وفي حال إبدائه أية ملاحظة تدعو إلى القلق تستتبع زيارات من قبل اللجنة وهنا يتضح مدى قوة اللوبي الصهيوني في تأثيره على الكونغرس. وعلى هذا المنوال استطاع اللوبي اليهودي داخل الكونغرس الأمريكي على مدار السنوات السابقة محاربة أعضاء الكونغرس الأمريكي عندما حاولوا الوقوف إلى جانب الحق العربي واتهموهم حينها بمعاداة السامية. وسبق أن نجح اللوبي اليهودي في إبعاد المشرعين الأمريكيين عن زيارة بعض الأقطار العربية. وفي حال فشله في استمالة أعضاء الكونغرس الأمريكي لصالح قضاياه يلجأ اللوبي اليهودي عبر منظمات عدة داخل الولاياتالمتحدة إلى إسرائيل! { أجندة مَنْ؟ ولضمان أكبر تأييد أمريكي لإسرائيل وقضاياها عمد اللوبي اليهودي في أمريكا إلى السعي للسيطرة على الكونغرس الأمريكي، ففي عام 2007م بلغ عدد النواب اليهود الأمريكيين داخله (11) نائباً وهي أول ظاهرة في تاريخ الكونغرس وقال حينها «دوج بلو مفيلد» المدير القانوني السابق للجنة الشؤون العامة الصهيونية الأمريكية في تصريحات لصحيفة (جيروزاليم بوست) الأمريكية: «هناك عدد غير مسبوق منهم في الكونغرس سيتولون عدة مناصب قيادية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ». وبالفعل صدق حديث اللجنة العامة الصهيونية فقد رشح وقتها «توم لانتوس» وهو يهودي أمريكي لتولي رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس وهي اللجنة الأكثر حساسية وأهمية في ما يختص بالسياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية وتوجيهها، وتوم لانتوس، يهودي متعصب يدعي أنه نجا مما يسمى ب «محرقة اليهود» في الحرب العالمية الثانية، وعلق وقتها المدير التنفيذي للتحالف اليهودي الجمهوري «مات بروكس» بقوله إن احتلال شخص مثل لانتوس لهذه اللجنة أمر رائع للغاية بالنسبة ليهود الولاياتالمتحدة، فهو يدافع بشدة عن الكيان الصهيوني.. ورشح كذلك في تلك الدورة النائب اليهودي جاري أكرمان لرئاسة اللجنة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وهي تابعة للجنة الشؤون الخارجية وكانت تنافسه في ذلك نائبة يهودية أخرى هي بربرا بوكس، ورشحت اليهودية نيتا لوي لرئاسة لجنة فرعية تابعة للمخصصات المتعلقة بمساعدات اللاجئين وهي لجنة على قدر عالٍ - أيضاً - من الأهمية. { سياسات موجهة وفي ذات العام الذي اعتلى فيه عرش الكونغرس (11) نائباً أمريكياً يهودياً، صادق الكونغرس على قانون حظر الاستثمار في السودان، وجاء القرار بإجماع من مجلس الشيوخ والنواب بمنع الشركات التي تتعامل مع السودان من الحصول على عقود حكومية وفتح حينها الباب واسعاً لمقاطعة شاملة لشركات من بينها بتروناس وشركة الصين الوطنية للنفط وشركة الهند للغاز والبترول. وخلال تلك الدورة زاد عدد النواب اليهود من (11) إلى (13) بمجلس الشيوخ وارتفع من (26) نائباً إلى (30) نائباً بمجلس النواب وسيطروا على أهم اللجان في الكونغرس خلال دورة عام 2006م، إذ رأس لجنة العلاقات الدولية توم لانتوس (78) عاماً وهو من المتشددين في ملفات الشرق الأوسط ومعروف بمواقفه المنحازة لإسرائيل، ومعروف أن رئيس اللجنة سواء أكان في مجلس الشيوخ أم النواب له دوره ونفوذه في تحديد أجندة عمل اللجنة ومتابعة القضايا المطروحة والمثارة فيها.