مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية على ما يبدو أن القضايا العربية وبالأخص الصراع العربي الإسرائيلي سيشهد اهتمامًا وتصريحات أكثر من قبل الإدارة الأمريكية خلال الأشهر القادمة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2012، وهو ما ظهرت بوادره خلال الأيام القليلة الماضية، عندما تراجع الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في موقفه تجاه الحدود التي تقام عليها الدولة الفلسطينية المستقبلية في خطابين متناقضين لم يفرق بينهما إلا أيام تعد على اليد الواحد؛ حيث أيد في خطابه الأول، الذي ألقاه يوم 19/5/2011 من مقر وزارة الخارجية، إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية وفق حدود 1967، غير أن هذا الأمر لاقى غضبا إسرائيليا شديدا، مما دفع «أوباما» للتراجع عن ذلك في خطابه الثاني الذي ألقاه في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية - الإسرائيلية «إيباك» - أقوى جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في واشنطن - يوم 22/5/2011؛ حيث أكد فيه أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سيتفاوضان على حدود تختلف عن التي كانت موجودة في 67، لأن ذلك «سيعطل مسيرة السلام»، متجاهلاً أن الأراضي التي احتلت في حرب 1967 هي أراض محتلة، وليست أراضي متنازعا عليها، كما ترى إسرائيل. وهناك مرجعية شرعية لهذا، وهي قرارات الأممالمتحدة بما في ذلك قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي». أمام هذا التراجع الأمريكي عن تصريح صدر لصالح العرب على غير العادة، الذي من المؤكد سيتوالى بعده العديد من التصريحات الأمريكية على شاكلته نفسها، يزداد استغراب الكثير من تلك المواقف الأمريكية التي تكون دومًا ضد رغبة العرب لصالح طفلها المدلل (إسرائيل)، ويطرح التساؤل نفسه بشأن كيف لأمريكا المستفيد الأول من العرب، الذين هم بمثابة عصب الحياة الاقتصادية الأمريكية، بنفطهم ومواردهم التي تدير المصانع والمعامل الأمريكية بل وتعتبر السوق العربية أهم سوق لترويج منتجاتها، كيف لها أن تتجاهل كل ذلك وتقف دائمًا وأبدًا في صالح الكيان الإسرائيلي، لدرجة أن البعض يعتبره الولاية ال52 الأمريكية؟ حقيقة الأمر، ان لهذا أبعادا غير مباشرة لا ترتبط بالكيان الإسرائيلي بقدر ما هي تهدف إلى استرضاء اليهود الأمريكان الذين يمنحون كل ولائهم لإسرائيل، ويعملون على مصالحها، وذلك من خلال سيطرتهم على زمام الأمور في البيت الأبيض سواء السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، كما ترتبط بالوضع الاقتصادي الأمريكي الذي يلعب دورًا كبيرًا في توجيه السياسة الخارجية للبلاد، فمع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، يجد «أوباما» نفسه فقد الكثير من التأييد الشعبي له، الذي منحه الفوز بالفترة الرئاسية الحالية، ولكن لكونه لم ينجح فيما وعد به الشعب الأمريكي خلال حملته الانتخابية السابقة في عام 2008، التي اعتمد خلالها على البعد الاقتصادي الشغل الأساسي للناخب الأمريكي حينها نظرًا للحالة الاقتصادية المتدهورة في البلاد بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث قدم «أوباما» خلالها وعودا بإخراج الاقتصاد الأمريكي من أزمته، إلا أنه رغم خطط الإنقاذ التي وضعتها إدارته لانتشال الاقتصاد الأمريكي من عثرته، والتي كانت تدعو إلى تأمين الخدمات الصحية للعاطلين عن العمل وإيجاد وظائف جديدة تصل إلى نحو 2,5 مليون وظيفة خلال سنتين، علاوة على تخفيض الضرائب بقيمة ألف دولار للعائلة من أجل حفز الإنفاق، فإنه على ما يبدو أن هذه الخطط لم تحسن الأمور بالشكل المطلوب، وهو ما تجسد في استمرار تدهور الاقتصاد؛ حيث يصل معدل البطالة إلى 10%، وبلغ المتوسط السنوي للعجز المالي في السنوات الثلاث الأولى من إدارته 11% من الناتج المحلي (نحو 1,5 تريليون دولار)، وهو معدل لم يتكرر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تواجه الولاياتالأمريكية فجوة مجتمعة في الميزانية تصل إلى 125 مليار دولار خلال العام المالي الذي يبدأ في الأول من يوليو .2011 وما سبق دفع وكالة «ستاندرد اند بورز» للتصنيف الائتماني لتحذير الولاياتالمتحدة المرة الأولى من إمكان أن تخسر البلاد علامتها كأفضل مقترض في العالم؛ إذ خفضت الوكالة توقعاتها لتصنيف دينها من «ثابت» إلى «سلبي»، معتبرة أن ثمّة احتمالاً واحدًا من أصل ثلاثة بأن تخسر الدولة الفيدرالية علامتها القصوى «AAA»، خلال السنتين المقبلتين. وتعني هذه العلامة ثقة مطلقة في أسواق القروض، وذلك سيضر إلى حد بعيد بوضع الدولار كعملة احتياط عالمية، كانت تجني الولاياتالمتحدة بسببه نحو 40 إلى 70 مليار دولار سنويا؛ حيث تجتذب الأصول الأمريكية المستثمرين الأجانب؛ لأنها تصدر بعملة ثابتة ومطلوبة من الجميع. مما سبق فقد تسبب الوضع المتدهور للاقتصاد الأمريكي، في إيجاد حالة من عدم الرضا على جهود «أوباما» لحفز انتعاش الاقتصاد من أسوأ ركود يمر به، وهو الأمر الذي بينته نتائج استطلاع أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» وشبكة «سي بي إس» في أبريل الماضي من أن 70% من المستطلعين يرون أن البلاد تسلك اتجاهًا خاطئًا، و39% محبطون من وتيرة النمو الاقتصادي السيئة. فيما عبر 57% من الأمريكيين عن عدم تأييدهم لأداء «أوباما» الاقتصادي، وهي أعلى نسبة منذ انتخابه. وهذا مؤشر سلبي ليبدأ به حملة إعادة انتخابه، فيما وصف رئيس لجنة مراقبة البيت الأبيض والإصلاح الحكومي الجمهوري إدارة «أوباما» بأنها من أكثر الإدارات فسادًا في التاريخ. من هنا، يبدو أن تدهور الاقتصاد عقبة أمام فوز «أوباما» بفترة رئاسة ثانية، ولاسيما مع نية الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب الدخول في مواجهة مع «أوباما» بشأن موضوعي الدين العام والعجز في الموازنة الذي بلغ 1,3 تريليون دولار. وانطلاقًا من امتلاك اللوبي اليهودي مقاليد اللعبة الأمريكية وقدرته على مساعدة «أوباما» على معالجة ذلك التدهور؛ بالفوز بفترة رئاسية ثانية، رغم فرص نجاحه المحدودة فيها، ورغم أيضًا وصول تعداد يهود أمريكا إلى نحو ستة ملايين من إجمالي 310 ملايين مواطن أمريكي، فإنهم يتغلغلون في عصب الاقتصاد الأمريكي؛ حيث يمتلكون مواقع ثابتة في الحياة الاقتصادية للولايات المتحدةالأمريكية، حيث أصبحوا يشكلون أكبر كتلة عددية من الرأسماليين الموجودين هناك، فهم يشكلون نحو 20% من مجموع أصحاب الملايين الأمريكان، ويهيمنون على الكثير من المراكز المالية المهمة، كما يسيطرون على إدارات الكثير من الشركات المهمة المسيطرة على الاقتصاد الأمريكي، فهم يحتكرون مجمعات صناعة الأسلحة وأصحاب مجموعة الشركات الاحتكارية النفطية الكبيرة وامتدادات خيوطها إلى الوزارات السيادية مثل وزارتي الدفاع والخارجية والمؤسسات الإعلامية الضخمة. كما يتميز اليهود الأمريكان بعدم انخراطهم في أي من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) وبقائهم على الحياد يرجحون كفة الحزب الذي يلتزم بمصالح الصهيونية العالمية بشكل يحول دون حدوث تقارب عربي أمريكي، وما ساعد اللوبي الصهيوني على تحقق ذلك انشاؤه شبكة واسعة من المنظمات الضاغطة على الإدارة الأمريكية، تزيد على (300) منظّمة و(230) اتحادا محليا وصندوقا للرعاية وجمعية للعلاقات العامة، وأكثر من (500) محفل ومعبد، هذا فضلاً عن الدور الكبير الذي تلعبه اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة «ايباك»، من خلال مؤتمراتها التي يحضرها عدد كبير من الشخصيات الأمريكية السياسية من الكونجرس وغير ذلك، وتحرص على أن يكون الموظفون على اتصال مباشر مع المسئولين في الإدارة الأمريكية، وتعمل على توفير منبر داخلي لمعالجة القضايا المتعلقة بإسرائيل. كما أن الصهيونية العالمية تركز حيثما تستطيع، في إحكام السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة التي تلعب دورا مهما في توجيه الرأي العام؛ حيث يسيطرون على مصادر الأخبار ووكالات الأنباء، كما يسيطرون على القسم الأعظم من وسائل الإعلام الجماهيرية والضخمة ك (نيويورك تايمز ؟ واشنطن بوست ؟ راديو كوربوريشن ؟ أوف أمريكا.. إلخ)، ولديهم أكثر من 300 صحيفة يومية، وأسبوعية، ودورية، والأهم من ذلك كله أنهم يملكون أهم وسيلة للضغط على هذه الصحف، وهي الإعلانات التي تعد مصدر التمويل الرئيسي لهذه الصحف. ونتيجة لهذه القوة التي تتمتع بها الصهيونية داخل الجسم الأمريكي، كان خطاب «أوباما» حول عملية السلام خطابا انتخابيا موجها للناخب الأمريكي، ومتوجها للمتبرعين والإعلاميين من اليهود الأمريكيين، الذين لديهم فعالية في المشاركة في الانتخابات على مستوياتها كافة بجدية وبنسب مرتفعة، فهم ملتزمون أكثر من الأمريكيين أنفسهم، فضلاً عن تغلغل اليهود في إدارة ماكينة الانتخابات بواسطة اللوبي الصهيوني الذي يخطط لضمان فوز العناصر الموالية لإسرائيل وللسياسة الصهيونية التي سوف تمتلك سلطة اتخاذ القرارات، وتخصيص الأموال لدعم العناصر في الحملات الانتخابية، وقدرتهم على القيام بحملات للتشهير بالمرشحين الذين لا يلتزمون بالمخطط الصهيوني. وهكذا يتضح أن قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومدى إمكان اليهود مساعدته على الفوز بها عملا في صالح الكيان الإسرائيلي، كما أنه بجانب اللعب على القضية الفلسطينية، حاول «أوباما» من خلال خطابه الأول وضع صيغة جديدة تتماشى مع الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، معتبرًا أن الوضع الاقتصادي هو السبب الرئيسي، في تحرك الشعوب العربية، وأنه في حالة حل هذه المشكلة أو على الأقل المساعدة على حلها عن طريق إدخال استثمارات جديدة ومساعدات مالية، فإنه سيكون في الإمكان السيطرة على «الربيع العربي»، ونشوء ديمقراطيات في الدول العربية تتماشى مع أهواء أمريكا والغرب وبالتالي إسرائيل، ويمكن تفسير ذلك على أنها خطوات استعمارية جديدة هدفها استمرار السيطرة على مناطق النفوذ. والغريب أنه يوجد العديد من الشخصيات العربية التي تستثمر المليارات في القطاعات الأمريكية المختلفة، أي يتم التحكم بها من قبل اليهود، وبالتالي عليهم الامتناع عن نقل أموالهم إلى الولاياتالمتحدة؛ لأنها بالنهاية ستوظف ضد بلدانهم، والعمل على استثمار هذه الأموال في خدمة القضايا العربية والاقتصادات العربية، بشكل يقوي من الوضع الداخلي العربي نحو تحقيق تنمية شاملة في مجالات الحياة كافة، ويقوي من الروابط العربية - العربية، بحيث يشكل العرب تكتلا اقتصاديا وسياسيا قادرا على مواجهة النفوذ الصهيوني في المجال الاقتصادي العالمي. من ناحية أخرى، على العرب التركيز في التكتلات الكبيرة التي يحتمل أن تشكل منافسًا للولايات المتحدة في زعامة العالم، وخاصةً أوروبا والصين، وذلك من خلال تشكيل لوبي عربي داخل هذه التكتلات يعتمد بالدرجة الأولى على السيطرة الاقتصادية الممكنة في هذه التكتلات واستغلال الرأي الشعبي المؤيد نسبيا للقضايا العربية، من خلال الصحف العربية في الدول الغربية؛ ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية يوجد العديد منها ك (آخر الأخبار، عرب تايمز، الصراط المستقيم، صوت الأسير، العراقي، المنار الجديد، الوطن، بيروت تايمز، رسالة العراق- صوت العروبة، التحدي، عرب ستار، الدبور، عراق برس، فلسطين). وبالتالي بإمكان العرب السيطرة على القرار السياسي لهذه التكتلات، ولابد من الدخول في شراكات قوية أو مشاريع ضخمة مع الغرب حتى ينتهي هذا الصراع غير المتكافئ.