عاد ميدان التحرير.. أكبر وأشهر ميادين العاصمة المصرية القاهرة إلى دائرة الضوء، فقد عادل إليه المصريون بأناشيدهم وهتافاتهم وتظاهراتهم واعتصاماتهم وخيامهم...والخ. وكان الميدان الجميل على مدى ثمانية عشر يوماً امتدت من 25 يناير إلى 12 فبراير أصبح محط أنظار العالم، إذ امتلأ بالمتظاهرين المطالبين بإسقاط نظام حسني مبارك واستطاعوا بكل العزم والتصميم وبالإرادة الشعبية الجبارة أن يجبروا رئيسهم الذي يُقال إنه عنيد على التخلي عن الحكم وصعق العالم معجباً بثورتهم العظيمة. ثم بعد مرور بضعة أشهر استفحلت الخلافات بين الثوار وسرى الملل واليأس في بعضهم ثم بدأوا يشككون في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي ويطالبون بتغيير الحكومة التي يرأسها عصام شرف. والثوار في مصر وغيرها يتعامون بعد تغيير النظام القديم عن حقيقة مهمة هي أن رجال الفترة الانتقالية من أمثال المشير طنطاوي والدكتور عصام وقبلهم عندنا في السودان المشير عبدالرحمن سوار الذهب والدكتور الجزولي دفع الله في الثمانينيات والأستاذ سر الختم الخليفة في أكتوبر 64...والخ. هؤلاء جميعاً تنحصر أهم مسؤولياتهم في وضع البلاد على طريق الاستقرار وذلك بإجراء انتخابات عامة حرة نزيهة، برلمانية ورئاسية وإجازة دستور دائم وفي العادة فإن هذا الدستور لا يُجاز في الفترة الانتقالية ولكن بعد إجراء الانتخابات. لكن رجال الفترة الانتقالية يستطيعون تبديد ملل الشعب ومخاوفه باتخاذ بعض القرارات والإجراءات مستندين على الشرعية الثورية ومن هذه القرارات والإجراءات محاكمة رموز العهد القديم وفي المقدمة منهم الرئيس ومحاكمة رموز الفساد ورموز كل ما ثار الشعب ضده. وواضح أن هناك تلكؤاً في هذه الناحية وكان ذلك من أهم أسباب عودة المصريين إلى ميدان التحرير. وهي عودة كما قلنا أعادت الميدان الشهير إلى دائرة الضوء وجعلته عنواناً رئيساً في الأخبار وعادت كبريات الصحف العالمية تكتب عنه وعن الذي يجري فيه في نهارات وليالي مصر هذه الأيام. وذكرت إحدى هذه الصحف أن في واجهة إحدى الخيام المنصوبة في ميدان التحرير لافتة كُتب عليها «خطأنا أننا غادرنا الميدان» وكانت الثورة المصرية وصلت إلى ذروتها 12 فبراير الماضي بتنحي الرئيس مبارك وكانت لحظة احتفى بها كل العالم العربي. والآن عاد ألوف المحتجين إلى الميدان وتبدو مصر هذه الأيام متحدية في الميدان الذي لم يعد مكاناً فحسب، وإنما أصبح فكرة ولم تُحسم بعد كثير من الأسئلة المهمة مثل من الذي يحكم؟ وكيف يحكم؟ ومن الذي يحدد الطريقة التي يحكم بها. وقال أحد المحتجين: «سوف نبقى جالسين هنا حتى تتم محاكمة النظام السابق». وقال آخر: «يجتاحنا شعور بأن نظام مبارك مازال قائماً». وفي إحدى الخيام كانت تبث أغنية وطنية، وارتفعت شعارات معادية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، لكن وحدة الهدف التي كانت سائدة أيام الثورة حلّ مكانها تعدد المطالب. فالجدل يدور حول الوقت المناسب للانتخابات وقوة الإسلاميين وضعف مجلس الوزراء ومحاكمة الرئيس مبارك.