انتظمت مهرجانات التكريم ورد الجميل بكل المنتديات والأندية بولاية الخرطوم قبيل حلول شهر رمضان المبارك وواصلت مؤسسة أروقة للثقافة والعلوم احتفائها بالمبدعين طباعة للدواوين وشراءً للنسخ الأولى بمبالغ لم تنقص عن عشرة آلاف جنيه حتي الآن. وأقول هذا هو الاحتفاء وهذا هو التكريم وإلاّ فإن قيمة الوشاح وشهادة التقدير تبقى رمزية للمبدع المكرَّم الذي لديه العديد من الحاجات و(الزنقات) يأمل أن يحلها التكريم الذي وُعِد به حتى وإن جاء من أصدقائه ليرتاح فقط لأربع وعشرين ساعة من التزامات الحياة التي باتت صعبة جداً في ظل تنامي ارتفاع الأسعار والإيجار وكيلو الضأن الذي بلغ ثلاثين جنيهاً بالتمام والكمال. فلا فائدة من (ورق ودلاقين)! كما قال صديقي عباس نجل الراحل عوض جبريل عندما اعتزمت جهة ما تكريمه وأسرته في ذكرى رحيل والده.. لأن المبدع في السودان فقير وحتى وإن امتلك منزلاً وسيارة فليس له مصدر دخل سوى إبداعه الذي تناقص وتراجع خاصة بالنسبة للمطربين الذين وصلوا مرحلة (الفلس الشديد) بعد أن وقفت شركات إنتاج الكاسيت عن العمل مضطرة بفعل مافيا ال(mp3) وقراصنة (ضرب الكاسيت) في الداخل والخارج حتي أضحى الكاسيت خارج الوسائط و(بارت) في الأسواق الأنواع المختلفة من المسجلات ومشغِّلات الكاسيت لتوقُّف إنتاجه. بعض المختصين تندّروا من الجهات التي تأتي بمبدع أو اثنين أو ثلاثة لتقيم لهم تكريماً بوشاح أو شهادة تقديرية دون (ظرف) يرقد بداخله ورق (البنكنوت) من فئة الخمسين جنيهاً (متراصة غير ملتصقة) يفوح منها (العطر البنكي) ملهماً المبدع لمزيد من الإبداع الشعري والموسيقي والمسرحي والتشكيلي والغنائي وغيره من ضروب الإبداع، واعتبروا التكريم الخالي من المال ما هو إلاّ وجع (رأس وكرعين) للمحتفى به، لأنه قبل الوشاح والشهادة التقديرية فهو مدرك لفنه وإبداعه وقادر على المزيد حتى لو كانت الشهادة (دكتوراة فخرية) فأين سيفاخر بها لأن (الجزار) لا يهمه الواقف أمامه حتي لو كان المشير البشير رئيس الجمهورية، وإن قلت له إن هذا المبدع نال شهادة كذا من الجهة المرموقة، لقال لك على البداهة (لو الجماعة ديل بعزوا صحيح كان ملوا جيبو قروش). هذا هو الفهم، سادتي القائمين علي أمر الأندية والمنديات والبيوتات التجارية. والتحية لسيقا وهي تكرِّم أوائل السودان في كل عام بالغالي والنفيس، والتحية لشركة زين (السودان) وهي تكرِّم مبدعينا في الغناء والشعر والمسرح بالمال الجزيل، والتحية لوزارة الثقافة وهي (تعصر) لكل مبدع (سراً وعلانية) ما يوازي إبداعه ذهباً ليستمر العطاء، والتحية لدار فلاح الفقيرة جداً وهي تشتري نسخة من ديوان الحلنقي بخمسة ملايين جنيه (بالقديم)، والتحية للاتحاد العام للأدباء والكُتّاب السودانين وهو يدفع ذات المبلغ في تكريم الشاعر التجاني الحاج موسى رغم انقضاء أجل الدورة بواسطة الفريق الدكتور عمر أحمد قدور رئيس الاتحاد .. ولعن الله الفقر ولو كان رجلاً لقتلناه جميعاً نحن أهل السودان.. ودام التصافي بيننا وعظّم الله أجر مبدعينا وجعل الله سعر كيلو الضأن بخمس جنيهات في رمضان آمين.