يعرف الجميع العقلاء منهم والجهلاء أن الإسلام لم ينتشر في السودان بحد السيف.. وصحيح أن عبدالله بي أبي السرح دخل السودان على رأس جيش ولم يدخله على رأس رعاة، لكن ذلك الجيش لم ينتصر على السودانيين في الشمالية الذين هم النوبيون ثم أُبرم اتفاق بين الطرفين. وبمرور الزمن أصبح السودانيون يعتنقون الدين الجديد أفواجاً وأفواجاً وكانوا من قبل مسيحيين وظل بعضهم مسيحيين وكان انتشار الإسلام يتزايد وكانت في ذلك السودان القديم دولة مسيحية اسمها علوة وكانت عاصمتها سوبا القربية من ملتقى النيلين الأزرق والأبيض. وجاءت لحظة شعر فيها السودانيون المسلمون بأن الوقت قد حان ليقيموا دولتهم المسلمة في قلب السودان فانقضوا على دولة علوة المسيحية وأزالوها من الوجود ولم يكن ذلك استقلالاً ولم يكن هو الاستقلال الأول كما زغم بعض الإسلاميين، وإنما كان نزاعاً أو معركة بين أبناء الوطن الواحد وانتصر المسلمون وأقاموا دولتهم التي حملت اسم السلطنة الزرقاء وأصبحت سنار عاصمتها واستمرت حتى عام 1821م عندما سقطت بالغزو التركي للسودان في عهد محمد علي باشا. إن الإسلام لم ينتشر في السودان بالقوة.. وأيضاً اللغة العربية، ولو كان الوجود العربي في السودان استعماراً لاختفت مثلاً كل اللغات المحلية وحلت مكانها اللغة العربية، لكن كثيراً من السودانيين، بمن في ذلك قبيلة ذلك المطرب الكبير، ما زالوا محتفظين بلغاتهم. وكان هذا المطرب الكبير سمّى الوجود العربي في السودان استعماراً وذهب أكثر من ذلك في حديثه الذي نشرته (الأهرام اليوم) في عددها الصادر يوم الجمعة الموافق 15 يوليو الجاري، نقلاً عن فضائية جنوبية، عندما طالب الدولة بأن تلتفت للغات المحلية وتطورها من أجل تقريب الناس لبعضهم البعض، وأضاف «أنه إذا كُتبت اللغات وطورت كلغة النوبيين في الشمال والفور في الغرب والبجا في الشرق فإن الانصهار الثقافي سيحدث وسيكون كل مواطن ملماً بأبناء جلدته في الولايات الأخرى». والعكس هو الصحيح، فاللغة العربية التي لم تنتشر بالقوة هي التي تقرب الناس وتجعلهم أكثر إلماماً ومعرفة بالآخرين وهي أحد أكبر عوامل الوحدة الوطنية، والمزيد من انتشارها يؤدي إلى المزيد من هذه الوحدة، وإضعافها يضعف وحدتنا الوطنية. ومن الغريب أن هذا المطرب الكبير ما كان يستطيع أن يصبح مطرباً كبيراً مشهوراً معروفاً مفضلاً مع آخرين على امتداد القطر لو لم يغن باللغة العربية، ولو أنه اكتفى بالغناء بلغته لانحصر جمهوره في (صواردة) وما جاورها من قرى الشمال الأقصى.. وكم هو مؤسف أن يردد ترهات وأكاذيب الدكتور قرنق وباقان أموم وغيرهما من العنصريين.