نرجو أن يتوسع المؤرخون في الكتابة عن الظروف والملابسات التي أفضت إلى أهم وأخطر انقلاب في حياتنا وكان ذلك عام 1504م. وهو تاريخ قيام السلطنة الزرقاء بقيادة زعيم الفونج عمارة دُنقس وشيخ العبدلاب عبد الله جماع.. لقد سقطت في ذلك العام عام 1504م دولة علوة المسيحية التي كانت عاصمتها سوبا وولدت السلطنة الزرقاء التي أصبحت عاصمتها سنار. ومنذ نشأتنا ونحن نسمع ونقرأ مدحاً وإشادة وتمجيداً لهذه السلطنة الإسلامية أوالمسلمة وفي نفس الوقت فإننا أسدلنا ستاراً كثيفاً على الدولة التي كانت قائمة قبلها. وكأن التعتيم كان ولا يزال مفروضاً على تلك الدولة وما قبلها. إن تلاميذ الأساس يعرفون عبد الله جماع وعمارة دُنقس لكن المثقفين وكبار المتعلمين لا يعرفون مثلاً اسم القائد أو القادة الذين انتصر عليهم عبد الله جماع وعمارة دُنقس. بل إننا من شدة جهلنا بما قبل السلطنة الزرقاء كنا نعتقد أن لغة دولة علوة لم تكن مكتوبة؟! وأيضاً فإن البعض منا صوروا ما جرى عام 1504م عندما انهزمت دولة علوة وانتصر تحالف الفونج والعبدلاب الذي أثمر السلطنة الزرقاء صوروه على إنه الاستقلال الأول!.. ولم يكن ذلك صحيحاً، فالذين انهزموا عام 1504م لم يكونوا من الأجانب لكنهم كانوا سودانيين، أي أن السودانيين المسلمين انتصروا على السودانيين المسيحيين.. وأصبح السودانيون جميعاً في السودان الشمالي مسلمين. ولكن ليس معنى ذلك أن يشيحوا عن فترة ما قبل الإسلام أيام كانوا مسيحيين فالمسيحية دين سماوي ثم إنهم في تلك الفترة أقاموا حضارة عظيمة على ضفتي النهر الخالد وهي من الحضارات المعدودة في تلك العصور الغابرة. ولذلك كان من واجبنا أن نعتز بتلك الفترة وأن نبرزها في أجهزة الإعلام وفي المناهج الدراسية. ولقد كانت الحركة الشعبية أذكى من بقية الأحزاب باهتمامها بالسودان القديم وحضاراته رغم أن انتماء تلك الحضارات وتلك الدول السابقة للسلطنة الزرقاء هو أصلاً للسودان الشمالي. فقد كانت حضارات نوبية. ونرجع لما بدأنا به فمعلوماتنا عن ذلك الحدث المجلجل.. حدث اعتناق السودانيين لدين جديد وتخليهم عن دينهم القديم وهزيمة دولتهم المسيحية والرضاء بالعيش في ظل دولة مسلمة.. إلخ هذه المعلومات مازالت جد شحيحة.