في العام 1967 تم دمج حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي في كيان حزبي واحد واختير له اسم الاتحادي الديمقراطي، وعندما تم دمج الحزبين أصدر السيد علي الميرغني، زعيم الختمية وقتها، بياناً بارك فيه الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد، وجاء في البيان التاريخي إن وحدة الصف والهدف في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد أمر ضروري لتعزيز الاستقرار السياسي، حتى نحقق آمال الشعب والبلاد تعيش في مستقبل أفضل تحت ظل مجتمع إسلامي وحكم ديمقراطي. هذه الكلمات الغالية والرصينة من زعيم كبير خاطبت الاتحاديين في ذاك الزمان وهم لم يكونوا وقتذاك شُعباً وطوائف كما الآن، هذا البيان وتلك المواقف خاطبت الاتحاديين آنذاك وهم كانوا فصيلين فقط ناهيك عن الآن، كما أن الأوضاع السياسية في تلكم الأوقات لم يكن يطالها وصف التعقيد كما طالتها اليوم. أكثر من عشرة فصائل منحدرة من كيان واحد وخلافات لا أول لها ولا آخر تعصف بالكيان الكبير يوماً تلو الآخر، فصيل يعلن عن نفسه اليوم وينقسم إلى ثلاثة فصائل في الغد، هذا التشرذم والانقسام أدى إلى ضعف الانتماء للحزب الواحد وللبرنامج الذي كان قائماً على مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فأين تلكم المسلمات والممسكات الاتحادية، فما ساقنا إلى هذا القول هو تجدد المسلسل الخلافي المتواصل وسط الحزب الاتحادي الديمقرطي المسجل، فمجموعة تعلن فصل مجموعة أخرى وهو تطور جديد في خلافات الحزب بعد أن كانوا جماعة واحدة، فمجموعة جلال الدقير أعلنت فصل صديق الهندي وآخرين، وقبل ذلك أعلن الأخير فصل الدقير، ألم يقرأ هؤلاء جيداً بيان الزعيم الكبير السيد / علي الميرغني، أم هؤلاء يغردون في سرب آخر هو الوظائف والمناصب والاستوزار والمستشاريات، فلقد دفع الحزب الاتحادي الديمقراطي كثيراً من الأثمان جراء مثل هذه الخلافات التي عادة ما تبدأ شخصية ومن ثم تعصف بالمؤسسات الأخرى والمتضرر هنا الشارع الاتحادي والكيان، هذا الموقف بين الدقير والهندي يعود بنا بالذاكرة قليلاً للوراء فكم رأينا خلافاً مبطناً تضرر منه الحزب شهدناه بين السيد محمد عثمان الميرغني وأحمد السيد حمد، ولم ينته هذا الخلاف غير المرئي إلا بعد نهاية الديمقراطية نفسها، كما دخل في حلبة الخلافات أيضاً المبطنة وغير المرئية الراحل الشريف زين العابدين الهندي، فكل هذه القيادات كانت تغرد خارج السرب والشارع الاتحادزي ما يزال يتفرج، والسبب في كل هذا وذاك هو عدم الالتزام بمرجعية القواعد مما يجعل الشرعية تهتز هنا وهناك؛ وأقصد هنا الحزب الاتحادي بمسمياته المختلفة، فالشارع الاتحادي كان يسمع كثيراً ويقف بصلابة مع الأمنيات العذبة التي كان يطرحها شعار: (مبادئ الأزهري لن تنهار.. طريق الهندي طريق أحرار). فأين كل هؤلاء من هذا، فالقيادات الاتحادية إن جاز لنا أن نسميها قيادات نسيت أن هناك أجيالاً لم تر القيادة الأبوية الراشدة التي قادت مرحلة الجلاء والنضال والسودنة. فالاتحاديون الذين قام حزبهم على الأخذ باعتدال اليسار واعتدال اليمين هل صاروا بلا لون ولا رائحة ولا طعم، فإن كانوا هذا، عليهم أن يغادروا جميعاً أو تغادرهم القواعد، وادعو كل الفصائل الاتحادية لتكوين حزب جديد.