الأستاذ الإذاعي عوض بابكر من الكفاءات النادرة في مجال البحث والتنقيب والتوثيق واستطاع أن يقدم برامج ناجحة ظلت أصداءها عند الجمهور وفي ذاكرة ووجدان المستمع السوداني. عوض بابكر عرف بتلقائيته وأسلوبه السهل البسيط برغم غزارة علمه فهو بحر من التراث يجعلك مشدوداً ومتابعاً لما يقوله عبر برنامجه (حقيبة الفن) الذي أصبح قريباً للمستمع السوداني الذي يعشق التراث بكل أصالته وشعره وأدبه وتقاليده السمحة. { عوض بابكر استطاع أن يجمع بين التقليدية والدهشة والسلاسة والعمق ولا زال يُعطي من نفسه للإذاعة والتلفزيون وهو الذي نما في حوشها حصيلة ثلاثين عاماً بلا توقف. عاصر قُدامى الإذاعيين أمثال صالحين ومحمد صالح فهمي والفنانين أمثال أبو داؤود، وعثمان حسين، وأولاد شمبات الذين استفاد منهم كثيراً بمعاصرته لهم بحكم المسكن والنشأة، ولا ننسى الفنان الراحل المبدع خضر بشير الذي عمل معه كعازف بفرقته. فعوض بابكر ممثل بارع شارك في العديد من الأعمال الدرامية وصاحب رؤية ولمسات إخراجية رائعة أخرج العديد من المسلسلات والبرامج الدرامية من ضمنها برنامج (دكان ود البصير) والمعروف أنه خريج المعهد العالي للموسيقى والمسرح وأنا أكتب عنه وهو لم يطلب ولا يعرف ذلك دافعي إحساسي به وبما قدم. هذا الإنسان الفنان لم ينل حتى الآن التقدير اللائق به أشاهده يجوب الشوارع على الأقدام.. رغم أن المجتمع قد رفع أشخاصاً إلى درجات رفيعة لا يستحقونها ولا يملكون معشار الإبداع الرسالي الذي حمله.. بالرغم من أن الأستاذ عوض بابكر يمثل ارشيفاً وموسوعة متكاملة في مخزون إبداعات الحقيبة السودانية والتي لو أراد من خلالها أن يُثرى ويمتلك المال لما شقّ عليه. وبعد كل ذلك يا سادتي فإن عوض بابكر يرقد الآن طريح فراش المرض بمستشفى النيل الأبيض بالقرب من مركز السكري ببحري دون أن يذكره أو يعوده أحد.. هكذا نكافئ مبدعينا وهل نحن أمة تأكل شباب رجالها لحماً وتتركهم عظماً.. لا يا زملاء المهنة ما تكنونه له من تقدير حولوه إلى شيء ملموس يحسه الآن بدلاً عن كلمات الوفاء والتقدير التي تزجونها له، فما يحتاجه الرجل منا الآن وقفة تدعمه معنوياً ومادياً وهذا أقل ما نقدمه لرجل قدم الكثير للوطن وشكّل بصوته الآخّاذ وذاكرته الفذة وجدان أجيال وأجيال.. من هنا نطلق صوت استغاثة داوية لكل متذوقي الفن ورعاته وخاصة الدولة لتخفيف المعاناة عنه سائلين الله أن يكتب له الشفاء والعافية.