{ ابني يمارس الترويع ضد إخوته!! وسئمت أنا من شكواهم المتلاحقة كونه يلاعبهم بخشونة ويأتي بحركات قتالية مؤلمة لهم، وظللت أنا أكفه عنهم وأردعه أحياناً بالعقاب فيهدأ قليلاً ثم يعود - دون إرادة منه ربما - للقيام بتلك الحركات الخطرة من جديد عليه وعلى من حوله. { وكنت قد لاحظت مؤخراً حرصه الشديد - وهو ابن السابعة - على متابعة مباريات (المصارعة الحرة، مساء الخميس والأحد من كل أسبوع)، هذا قطعاً ليس ترويجاً، ولكني أؤكد على حرص ابني التام على الموعد فحسب، حتى إنه يمعن في حرماننا من متابعة كل ما عداها ويأتي بالأفاعيل العجيبة في سبيل ذلك، حتى ننصاع مرغمين لرغبته وربما نتابعها معه على مضض، أقول هذا وأعلم أن بعضكم سيندد بنزولي على رغبة ابني وينتقدني كوني أسمح له بمشاهدة هذه «الرياضة» الخطرة التي قد لا تمت للرياضة بصلة، بيد أنها أقرب لأن تكون نوعاً من التنفيس عن علل نفسية سادية ووحشية بعينها أكثر من كونها رياضة مفيدة للجسم والعقل. { وسأعرب عن كامل أسفي لأنني مخطئة تماماً في هذا، ولكن هذا زمان بتنا لا نتمكن فيه من إحكام السيطرة على هؤلاء الصغار الأذكياء الأقوياء. فحين حاولت يوماً حرمانه منها اكتشفت أنه تحايل عليّ بالإفصاح عن رغبته في زيارة بيتنا الكبير وتمكن من مشاهدتها هناك على (مزاجه)، كون البيت الكبير يتيح دائماً للطفل هامش حرية أكبر لوجود الأحضان الحانية والقلوب المرهفة لكبار الآباء والأمهات الذين يلبون جميع رغبات الصغار ويقومون بحمايتهم منا عند اللزوم، فيستكين أبناؤنا إلى اعتقاد جازم بأن لهم ظهراً فيستقوون بآبائنا وأمهاتنا علينا وهم مطمئنون يفعلون ما يشاؤون. لهذا تجدوني قد آثرت السلامة حتى لا يعتاد «ابني» على التحايل الدائم على للقيام بما يريده خلف ظهري، الشيء الذي قد يترتب عليه الكثير مما هو أفظع من مشاهدة «المصارعة الحرة» على أيامنا هذه. { وهكذا، أصبح «جون سينا» صديقاً للعائلة.. حتى إن اسمه المقدس كان من أوائل الأسماء التي نطق بها ابني الأصغر، الذي اعتاد هو الآخر على «لكمنا» بقبضته الصغيرة مردداً اسم بطله المغوار. { وتطورت المسألة حتى بدأت «البنات» أيضاً المتابعة والتشجيع وأصبحنا جميعاً منقسمين ما بين «راندي أورتن» و«ري مستيريو» و«سينكارا» وبدأت أتأقلم - على مضض - وأحاول أن أجتهد في التأكيد لأبنائي على أن هذه رياضة خطرة وغير مفيدة وأرجوهم ألا يحاولوا الإتيان بمثل ما فيها من حركات و«شقلبات» خطرة ومميتة، يساعدني في ذلك التحذير المقتضب الذي يتلوه علينا اللاعبون أنفسهم وكأنهم يحاولون أن يرضوا ضمائرهم، وذلك أضعف الإيمان. { الآن تفاقم الأمر، ففي المجريات الأخيرة قام إداري بارز في اتحاد المصارعة بإبعاد اللاعب «سي إم بانك» عن النهائيات، فأتى «جون سينا» المغوار مسرعاً مندداً بهذا القرار الجائر الذي حرمه من ملاقاة خصمه في النهائيات، فما كان من ذلك الإداري إلا أن أعلن إبعاد «جون سينا» أيضاً!!! وما هي إلا لحظات حتى انخرط «ابني» في البكاء والعويل بحرقة وأرغى وأزبد وأعلن احتجاجاً صادقاً ثم مضى منزوياً في إحدى الزوايا مضرباً عن الطعام والكلام لمدة لم أكن أحسب أن طفلاً ما قادراً على احتمالها! { لقد علمني «ابني» درساً لا ينسى في العناد والاحتجاج والمناصرة، وبدأت أخشى فعلياً من تأثيرات «جون سينا» ورفاقه في حياة أبنائي وحياتي بالضرورة، فيبدو أن الأمر قد تجاوز حلبة المصارعة ومقاعد المشاهدة ليتحول إلى قيمة كبرى في حياة أطفالي، وأنا - إذ أستشعر الخطر باكبر مما توقعت - أجدني حائرة ومرعوبة، لا أعرف كيفية التصرف السليم ولا كيف يمكنني أن أثني «ابني» عن المتابعة وأساعده على الشفاء من إدمانه الموبوء هذا؟!! دون أن أشعره بالظلم أو الاستياء أو أدفعه للتمرد والكذب والاحتيال؟! كيف يمكنني أن أخرج «جون سينا» من قاموس حياتنا اليومي؟!! أعينوني. { تلويح: رحم الله «طه القرشي» و«زيدان الكسلان» و«الدجاجة الصغيرة الحمراء» و«كلب عبدالجليل».. فقد فقد أبناؤنا القدوة الحسنة والقيم النبيلة واغتال الفضاء المفتوح براءتهم.