أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادي بالمؤتمر الشعبي د. المحبوب عبدالسلام في حوار المكاشفة مع (الأهرام اليوم) (2-3)

ذات مفاصلة لم يهرول إلى غير غاية، بل استأنى عن الزحام عند الحوض الروي.. طوع إرادته اختار أزمتئذٍ الانحياز إلى ما اعتبرها (الفكرة).. طفق بعدها ينتقد تجربة الإسلاميين في الحكم بكل جرأة في مقالاته الصحفية وكتبه.. في سفره الموسوم: (الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضوء وخيوط الظلام) كانت أبرز ملامح زعمنا.
بالعاصمة المصرية التقيناه، وفي حوار شفاف طرحنا عليه العديد من الأسئلة، منها المتعلق بتجربة الحركة الإسلامية في الحكم وأسباب مفاصلة الإسلاميين، مذكرة العشرة الشهيرة وأسبابها كانت حاضرة في حوارنا معه، وتطرقنا معه إلى الأهداف التي جاءت من أجلها الإنقاذ وماذا تحقق منها وعن من الذي هزم المشروع؟ عرجنا معه إلى الاتهام الذي يلاحق الحركة الإسلامية بأنها تعاني من الخواء الفكري وغياب المؤسسية والفكر.. التساؤلات حول إمكانية وحدة الإسلاميين كانت حاضرة في حوارنا، حال الأحزاب السياسية السودانية المعارضة والدعوة إلى إسقاط النظام وربيع الثورات العربية كلها وجدت نصيبها في حوارنا معه، سألناه كذلك عن مصير البلاد بعد (22) عاماً من حكم الإنقاذ وإلى أين تتجه؟ هذه المحاور وغيرها شكلت أبرز معالم جلستنا مع د. المحبوب عبدالسلام، استمع الرجل إلى جميع أسئلة (الأهرام إليوم) ورد عليها بكل طيبة نفس وأريحية وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار..
{ بعد مرور(22) سنة على انقلاب الإنقاذ الذي قام به الاسلاميون على النظام الدستوري، وبعد أن انفصل الجنوب، الى أين تتجه البلاد الآن؟
- انفصل الجنوب واشتعلت أبيي واشتعلت جنوب كردفان، وجنوب النيل الازرق على حافة الحرب، وشرق السودان صامت لكن لا تدري ماذا يخبئ، وفي الغالب أنه يخبئ خطراً، وهذا جميعه يحتاج الى مدخل جذري شجاع، وليس شعارات، وماذا تعني الجمهورية الثانية، وهؤلاء يجلسون في الحكم (22) سنة، الجمهورية الثانية تبدأ بأن يستقيل المؤتمر الوطني وحكومته، وعندئذ نصدق ان هنالك جمهورية ثانية، وتأتي حكومة انتقالية فوراً ونبدأ في اجراءات انتخابات ودستور انتقالي يمهد الى دستور دائم، وعندئذ نفهم ان هذه الحكومة عادت الى رشدها وهنالك تغيير حقيقي. فعندما تقوم انتخابات في البلاد والمؤتمر الوطني يكسب البرلمان بالكامل.. أين المؤسسية الآن؟ مع العلم ان البرلمان هو الذي تحدث فيه كل التوافقات ويسمى ب (الكومبرمايس) والسياسة تصنع في الجمعية التأسيسية وفي البرلمان، وعندما تغلق البرلمان على حزب واحد سيلجأ الناس الى الشارع أو السلاح.
{ قضية دارفور هي من القضايا المهمة وأصبحت الآن أكبر قضية تؤرق جميع السودانيين ومرت عليها أكثر من ثماني سنوات وعلى الرغم من أنه تم توقيع أبوجا إلا أن القضية لم تحل، وقبل أيام تم توقيع اتفاقية الدوحة ولا زالت هنالك عدد من الفصائل تحمل السلاح. ما هي رؤيتك وتصورك الموضوعي لحل قضية دارفور؟
- مطالب دارفور تبلورت في أبوجا الثانية، وهذه المطالب فيها نائب رئيس وفيها نصيب في السلطة التنفيذية وفيها إقليم واحد، وكان هنالك عدد من الحلول يمكن جدا أن تسعف، وهذا لم يحدث، والحكومة لم تتصرف كحكومة كبيرة وتصرفت كشخص غاضب من آخر، وظنوا أن هنالك تمردا محدودا من جماعة حركة العدل والمساواة بتوجيه وتغذية من المؤتمر الشعبي، وردوا على التمرد بعنف أضعاف التمرد، وكان يجب عليهم أن لا يتجاوزوا رد الفعل كي يصبح عدواناً، وهذا الذي حدث في دارفور، وأصبحت هنالك مأساة وفضيحة عالمية حدثت، وفي شهر فبراير الماضي في عام 2010م تم توقيع بروتكول لحل المشكلة، والبشير نفسه أعلن في الفاشر أن هذا اليوم هو آخر يوم في الحرب، لكنه عاد الى الخرطوم فكان التقدير، وفكروا في أنه اذا عاد خليل ابراهيم الى الخرطوم وتولى منصب نائب رئيس عندئذ المؤتمر الشعبي سيعود الى القوة والترابي سيعود متحكماً، وهم الذين نقضوا الاتفاق الذي كان يمكن أن يحل المشكلة، وهم حاربوا أنفسهم بأنفسهم وتعقدت المشكلة وصنعوا حركة اسمها التحرير والعدالة، صناعة، وهي حركة غير طبيعية ولم تخرج من الميدان كما خرج خليل وعبد الواحد ومناوي وغيرهم، والدكتور التيجاني سيسي هو موظف في منظمة دولية وجاء وأصبح رئيس حركة، وقوة حركة التحرير والعدالة مستمدة من الاعتراف الدولي بها، وأنا كان رأيي أن الاخوة في حركة العدل والمساواة وحركة عبد الواحد وحركة مناوي يجتمعون مع التيجاني سيسي ويصلون الى موقف تفاوضي واحد، وكان هذا ممكنا، لكن أيضا الحركات تجاربها وطموحاتها الشخصية هي التي تحدث المشكلة، واذا تعامل الاخوة في الحركات الاخرى مع التيجاني سيسي جيدا يمكن أن تتفق مبادئهم على موقف تفاوضي واحد، وقبل عام كانت الحكومة تقول ان التيجاني سيسي أسوأ من خليل ابراهيم لأنه أصبح يكرر نفس المطالب، وعندما تعذرت وحدة دارفور هو وقع كي يبحث عن خلاصه الشخصي، وهم جلسوا في الدوحة عامين وهذا كفاية، والاحتفال الذي تم عقب التوقيع لم يكن عنده معنى سياسي ولا معنى عسكري، لكن علي أية حال طوينا صفحة الدوحة وبعدها سيبحث أطراف الصراع عن منبر آخر وحل آخر وأي شئ آخر ولا بأس.
{ ما هو تصورك الموضوعي لحل قضية دارفور؟
- بعد انفصال الجنوب لا يكفي أن تعطي الناس مناصب فقط، بل يجب علينا أن نبحث عن عقد اجتماعي جديد، والحركات التي تحمل السلاح والمعارضة والمشاريع الموجودة، ونيفاشا نفسها هي وثيقة مهمة جدا، ومن قبل سوار الذهب وعثمان عبدالله كان عندهما مبادرة فيها تفاصيل مهمة والطيب زين العابدين ومحجوب محمد صالح وحسن الترابي كان عندهم مبادرة مهمة جدا وكانت فيها فكرة حكومة انتقالية، والصادق المهدي عنده مشروع تراض وطني، والسيد محمد عثمان الميرغني عنده مشروع الاجماع الوطني ولا بأس، كل هذه الاوراق في النهاية يمكن أن تتلخص في شئ واحد، وحتى ورقة قطاع الشمال الذي سيتأسس كحزب جديد، هذا جميعه سيساعدنا في أن نؤسس عقدا اجتماعيا، لكن العقد الاجتماعي ليس حديثا نظريا بل هو يتأسس في الواقع، وأن تبسط حريات حقيقية ونطمئن جميعا في أننا اذا خضنا انتخابات نخوضها في ظل حكومة انتقالية بحيث لا تبدل فيها الصناديق كما حدث في الانتخابات الماضية، ويجب أن لا يأتي نفس الناس الذين حكمونا (22) سنة ويريدون أن يحكموا مرة أخرى (22) سنة، ونحن لا نريد عقدا اجتماعيا جديدا اللاعب الرئيسي فيه هو المؤتمر الوطني لأنه هو الممسك الآن بالسلطة، واذا أصر سيظل الناس في نزاع معه يمتد من دارفور والى كذا والى كذا، وأنا تقديري الشخصي ان الساحة السياسية السودانية على مستوى من النضج، والذي لم ينضج هو المؤتمر الوطني فقط، جميع هذه الاحزاب تقبل الحريات الآن.
{ هنالك حديث يتردد دائما في الاوساط السياسية، وهو أن قضية دارفور سببها الاساسي صراع وانقسام الاسلاميين، هل توافقني الرأي في هذا وكيف تنظر الى هذا الحديث؟
- هو طبعا سبب عرضي من ناحية، وهو ان كثيرا من الناس كانوا اسلاميين وذهبوا وانضموا الى حركة العدل والمساواة وكانوا (مؤتمر وطني ومؤتمر شعبي) لكن المؤتمر الشعبي أساسا دعى الى أن تبسط ثروة وسلطة للأقاليم وللولايات، والمؤتمر الوطني انتكس على هذا المبدأ، وتصارعنا على أن ينتخب شعب الولاية الوالي كما ينتخب شعب السودان رئيس الجمهورية على نفس النمط، والاخوة في المؤتمر الوطني أخلوا بالحكم الفدرالي وأحدثوا أزمة، وأخلوا بمبدأ الحكم اللامركزي الذي انتهى بتمرد دارفور، وكثير من أهل دارفور انحازوا في الأول الى المؤتمر الشعبي وبعد ذلك رأوا أنه لا يجدي مع هذا النظام الا أن تحمل السلاح، ونحن ظللنا على قناعاتنا.. وقد رأينا ما حدث في الجنوب ولا نريد أن نكرره في دارفور ولا في أي مكان، ولا نريد أن نحمل السلاح وسنظل ندعوا بالحسنى والوسائل المدنية، ومن هذه الناحية هي نتيجة عرضية لانقسام الاسلاميين، لكن نتيجة جوهرية للنكوص عن مبدأ اللامركزية.
{ لكن في الضفة الاخرى نجد ان المؤتمر الوطني دائما ظل يتهمكم كحزب بأنكم تتبنون حركة العدل والمساواة وهي الذراع العسكري للمؤتمر الشعبي كيف ترد على ذلك الأمر؟
- هذا اتهام سياسي، لأنه طبعا عندما تنسب المسألة للمؤتمر الشعبي وبعدها تنسبها الى الترابي، عندئذ تخيف الغرب والغربيين والاوربيين والامريكان، ويقولون ان هؤلاء خلفهم الترابي، وهذا يعني ان هؤلاء اصوليون، وكانت هي كأداة ومادة للدعاية السياسية المضادة.. كانت بالنسبة لهم قوية ومفيدة، ولكنهم يعلمون حق العلم ان المؤتمر الشعبي لا يوجه العدل والمساواة ولا يتحكم فيها، وهم يعلمون حق العلم أننا لا دخل لنا بما تخطط له حركة العدل والمساواة، وحتي الاخوة في حركة العدل والمساواة يقولون هذا، وهم حركة مستقلة عنا تماماً، والآن الغرب نفسه أصبح لا تنطلي عليه هذه الدعاية وأصبح متأكدا من ان هذه الحركة لا يتحكم فيها الترابي ولا يتحكم فيها غيره.
{ لكن في الواقع نجد ان جميع قيادات حركة العدل والمساواة كانوا بعد مفاصلة الاسلاميين ينتمون الى المؤتمر الشعبي؟
- قلت لك إنهم نظروا الى الحزب الذي تبنى قضيتهم، وإنهم من الهامش، وكان التهميش سيعالج ببسط السلطة والثروة، والترابي أصر على أن يمضي هذا المبدأ حتى نهايته، ولكن جماعة (الوطني) انتكست عليه، والاخوة الذين كانوا في حركة العدل والمساواة انضموا لنا في الاول، وبعد ذلك لم يقتنعوا بأساليبنا السلمية وذهبوا وحملوا السلاح، وآخر واحد انضم اليهم كان هو ابراهيم الماظ.
{ اذا استمرت قضية دارفور أكثر من ذلك وتأزمت أكثر، هل يمكن أن يقود ذلك الى أن تطالب دارفور بحق تقرير المصير وتلحق بالجنوب؟
- طبعاً هو أصلا تطور في الموقف، والجنوب كان يطالب بالفدرالية ونحن في الشمال رفضنا، وبعد قليل طالب بالكونفدرالية ونحن رفضنا، وعندئذ اختار الانفصال، ودارفور اذا شدد المؤتمر الوطني عليها الحرب وعسر عليها ستكره العروبة وتكره الاسلام وتختار أن تذهب بعيدا من هذا، وهذا حدث في بلدان كثيرة.
{ كيف تنظر الى حال السودان بعد انفصال الجنوب وقيام دولة السودان الجنوبي المستقلة؟
- والله طبعا سنن التاريخ وتجاربه ليست مبشرة، وأي دولة تخرج من دولة يتحاربان، باكستان والهند تحاربتا في السبعينات، وخرجت بنغلاديش من باكستان وتحاربتا كذلك والكوريتان الشمالية والجنوبية متحاربتان أيضا، وأمثلة أخرى، وأي دولة تخرج من دولة سيكون بينهما حرب، ونحن لم نفترق أصدقاء بل افترقنا ولم نحسم الحدود وأبيي والبترول وخط الانابيب والجنسيتين وقضايا ما بعد الاستقلال جميعها لم تحسم، وبعد ذلك المؤتمر الوطني سوف يغذي المليشيات الجنوبية للاطاحة بسلفاكير، وسلفاكير أيضا سيغذي مليشيات شمالية تحارب الشمال سواء أكان في دارفور أو النيل الازرق أو في جبال النوبة، وهذا سيحدث قطعاً، والسياسة هكذا، واذا أراد الطرفان أن لا يصلا الى تسوية للقضايا العالقة يجب عليهما أن يتحملا هذه التبعات، وبشرنا مبعوث الرئيس الامريكي بخارطة طريق، وقال اذا لم تنفذ ستزيد الضغوط الدولية وقد ندخل في حرب وقد نفقد البترول، والآن فقدناه طبعا، وقد تزيد علينا الضغوط الدولية، واذا تماسكت جبهتنا الداخلية بعقد اجتماعي جديد عندئذ نستطيع أن نصد غلواء العالم علينا، وأصلا العالم يدخل من الفراغات التي يحدثها الصراع، واذا نحن قفلنا المسافات هذه، ويمكن طبعا أن تقفل، إذا حدثت مصالحة كتل وحدث عقد اجتماعي، واذا أغلقنا هذه المسافات، عندئذ التدخل الدولي سيكون لصالح السودان ولخيره، والعلاقات بين الدولتين ستطيب، ونحن علاقتنا في المؤتمر الشعبي مع الحركة الشعبية أفضل بكثير من علاقة المؤتمر الوطني الذي كان يشاركها الحكم، واذا أصبح لنا سهم في السلطة وإذا حزب الامة أصبح له سهم في السلطة والميرغني الذي كان رئيس التجمع أصبح عنده سهم في السلطة، والشيوعيين الذين كثير من أعضائهم في الحركة الشعبية سابقاً.. هؤلاء جميعا سيسهمون في علاقة خير بين الشعبين، والمسيرية ستذهب أبقارهم وتصل حتى آخر الجنوب اذا طابت العلاقات، ونطبق فكرة الحدود الناعمة، واذا لم يحدث ذلك سيتكرر ما حدث، واذا نظرت الى مسيرة نيفاشا تجدهم أنهم دائما في حالة اختلاف، وهؤلاء غير صالحين في أن يحدثوا علاقة بين بلدين متجاورين، ولذلك عليهم أن يفتحوا للناس الآخرين، والجنوب نفسه يجب عليه أن يفسح المجال للمعارضة حتى لا تصبح هنالك دولة أفريقية فاشلة وفاسدة جديدة.
{ ما هي رؤيتك في الدعوة للجمهورية الثانية التي دعا لها نائب رئيس الجمهورية، هل ستنجح هذه الجمهورية في ظل الازمات التي لا زالت تلاحق السودان الشمالي بعد الانفصال؟
- تبدأ الجمهورية الثانية باستقالتيهما، الرئيس ونائبه، وتأسيس حكومة انتقالية تبسط شورى واسعة بين السودانيين، وتأسيس عقد اجتماعي جديد، عندئذ نصدق ان هنالك جمهورية ثانية، واذا لم يكن ذلك كذلك سيكون مجرد دعاية سياسية مثل المشروع الحضاري ومثل سلام نيفاشا (السلام الشامل) ومثل التراضي الوطني ومثل محاربة الفساد، وجميعها شعارات لم تتحقق في الواقع وظلت أقوالا وليست أفعالا كما يقول الامريكان.
{ بعد استقلال الجنوب واتجاه الحكومة لقيام الجمهورية الثانية، رغم ذلك نجد ان هنالك دعوات برزت في الحال الى اقامة دولة عربية اسلامية في الشمال. أليس هذا يتناقض مع الجمهورية الثانية التي يدعو لها هؤلاء وكيف ترد على هذا الامر؟
- الاسلام والعروبة لا يحتاجان الى دولة، الاسلام يحتاج لدعوة ويحتاج لفكر اسلامي يجدد الحياة الحديثة، التعليم الحديث والاقتصاد الحديث والدفاع الحديث، ويؤسس على فكر اسلامي متطور، وهذا عمل ضخم يشترك فيه جميع العالم بمنهج جديد، والعروبة تحتاج الى أنك أنت تقوي الثقافة العربية في السودان، وهؤلاء الذين يتحدثون عن العروبة لا يعرفون لغة عربية (والله لايعرفونها) والعروبة تحتاج لثقافة وتحتاج لفكر وتحتاج إلى شِعر وتحتاج الى تجويد للغة، وهذا جميعه لا يرعونه، والعروبة هي المحتوى الفكري والثقافي والحضاري الذي يخصها، والذين يتحدثون عن ان السودان عربي والوجود العربي الاسلامي والله لايدركون معناه الحقيقي، والفكر الاسلامي يحتاج الى تجديد ولا يحتاج الي دولة، والثقافة العربية تحتاج لتجديد ولا تحتاج لدولة ولا تحتاج لوزارة ثقافة كي تتجدد، بل تحتاج لمثقفين حقيقيين مهتمين بالثقافة العربية وتجديدها.
{ لكن هنالك تيارات متنامية جدا الآن تتبنى هذا الطرح وهذه التيارات، من بينها منبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى، وفي حديثهم دائما يتحدثون عن ان السودان بعد انفصال الجنوب أصبح دولة عربية اسلامية، مع العلم ان هنالك أقليات أخرى في السودان لا اسلامية ولاعربية؟
- نعم، وحتى بعد انفصال الجنوب هنالك مجموعات في الشمال غير عربية، وصلاح أحمد ابراهيم قال قصيدة واضحة جدا.. قال فيها (كذاب في هذا السودان من قال أنا العربي النقي) وما قيمة أن تكون أصولك عربية مائة بالمائة وغير مختلطة بالعنصر الزنجي؟ والأفضل أن تكون مختلطاً لأن ربنا خلق البشر كي يتمازجوا وعندما يتمازجون سيكون هنالك أجمل الناس وأذكاهم، ونحن نعرف الخلطات وماذ تخرج، وهذه دعوة ليس لها معنى وهي دعوة سهلة جدا ومغرية، وهؤلاء طبعا يريدون مشكلة يزيدون بها الفتنة العنصرية هذه، والسودان هذا لم تكن فيه مشكلة حقيقية، والسودانيون انسجموا في المدارس وفي الجيش وفي الخدمة المدنية وفي التنقلات التي تحدث لموظفي الخدمة المدنية والمعلمين، والسودان كان يمكن جدا أن ينسجم، والسودانيون منفتحون، ويمكن أن يستقبلوا عشرات الآلاف من غرب أفريقيا ويصبحوا جزءا من النسيج السكاني، والآن لدينا أقلية كبيرة من غرب افريقيا، ونحن شعب مفتوح وليست لدينا العنصرية الوطنية التي يسمونها (الشوفينية)، ومنبر السلام العادل نفهم جيدا أن لديه مآخذ على نيفاشا ويعتقد أنها أعطت الجنوب أكثر ممّا يستحق، وأنا شخصيا لا أقف مع هذا الرأي، وعلي الحاج كان يقول اذا الجنوب يريد ثروة وسلطة أنتم أعطوه، اذا كان مقابلها ان الاسلام ينتشر ويمتد في افريقيا، والآن أنت أقمت دولة جديدة حجبت الاسلام والعروبة عن بقية افريقيا.
{ في ما يتعلق بالدستور، هنالك دعوات من قبل القوى السياسية الى وضع دستور دائم للبلاد، هل تعتقد أنه يمكن أن يقود الى تغيير ايجابي في السودان؟
- نحن اذا ذهبنا الى بداية التجارب الانسانية وبداية العلوم السياسية وبداية الفقه الدستوري نجد ان الحكومة غير مفوضة من الشعب ولا يمكن أن تضع دستورا، ولا بد أن تقوم بتشكيل جمعية تأسيسية، والجمعية التأسيسية هي عادة لا تكتب الدستور لكنها تكون لها لجنة تمثل فيها القوى السياسية جميعها والاتجاهات الفكرية والمناطق وهكذا، وتضع لها وثيقة، وهذا الوثيقة تأتي وتناقش في قراءة أولى وقراءة ثانية وقراءة ثالثة ويصوت عليها في البرلمان، وبعدها تطرح على الشعب ليستفتى عليها، وهي لازم فيها التفويض الشرعي كي تضع الوثيقة، وبالمناسبة دستور عام 1998م هو دستور ممتاز ونيفاشا اتفاقية جيدة لا بأس بها لكن روح الاتفاقية هي الأهم، الآن هل بريطانيا بها دستور؟ لم يكن بها دستور لكن الاعراف تسود فيها ولا شئ يحتم على رئيس الحزب الذي انهزم في الانتخابات أن يستقيل في نفس اليوم لكنه سيستقيل فورا، والملكة لا تستطيع أن تعين رئيس وزراء الا وفقا لهذه الاعراف لأنها تصبح أخلاقا وأقوى من التي تمت كتابتها في الورق، والورق تم الغاؤه في يوم واحد، وفي 12/12/ 1999م الموافق 4/رمضان ألغي الدستور بحيلة سياسية ولم يقاتل عنه أحد لأن روحه لم تتمكن لا في الاسلاميين ولا في عامة الشعب.
{ الآن هنالك اتجاه يسير نحو الدستور وهنالك لجان تكونت لمناقشة هذا الأمر؟
- أنا أعتبرها مخادعة من المؤتمر الوطني.
{ هل تقصد أن المؤتمر الوطني لا يريد تغيير الدستور أو وضع دستور جديد للبلاد يلبي طموحات الشعب السوداني؟
- هو يعلم ان هنالك فراقا سياسيا أحدثته نيفاشا ويريد أن يشغل الناس والساحة السياسية بمجادلات لكن لا تغير حقيقة الواقع.
{ في ظل هذ الجدل كيف تنظر الى دعاة الدستور الاسلامي.. مع العلم أن هنالك تيارا عريضا يدعو اليه؟
- الذين يتحدثون عن دستور اسلامي لا يعرفون ما هو الدستور، أغلبهم، ونحن في السودان أحدثنا تجربة في ينايرعام 1987 ووضعنا ميثاق السودان، وهذا يعتبر فتحا للفكر الاسلامي لأن البلد فيها تعدد، ولذلك فكرنا في كيف ندير هذا التعدد اسلامياً وكيف نعمل فدرالية وشريعة ونحترم فيها حقوق الاقليات، مع العلم ان الديمقراطية هي احترام حقوق الاقليات أكثر من حقوق الاغلبية، ونحن في عام 1987م وضعنا مثالا ممتازا وأتينا في عام 1998م ووضعنا دستورا جيدا وهو في جوهرة اسلامي، وكان هنالك موقفان حول الدستور هما موقف انصار السنة الذين قالوا هذا ليس دستورا اسلاميا، وموقف الكنيسة القبطية التي قالت هذا دستور اسلامي بالكامل، ويبدو واضحا ان الحقيقة تقع بينهما، وهو دستور يرضي كل الناس وفي نفس الوقت يخدم جوهريا قضية الاسلام، وبدأنا هذه المعركة عام 1964م والدعوة لجبهة ميثاق اسلامي يحكم الحياة العامة، وأتينا فصّلناه في عام 1968م وفي عام 1998م كدستور اسلامي، والتجارب عندنا ولم ننص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ولم ننص على أن رئيس الجمهورية يكون مسلما لأنه في ذلك الوقت الجنوب كان موجودا، وهذه كانت مسألة مهمة، وعندنا فقه وكسب لا بأس به ويمكن أن نستعمله ويأتي دستور معانيه اسلامية، وقطعا المعاني الاسلامية الموجودة في دستور 1998م أضعاف الموجودة في الدستور الانتقالي الذي حكم به المؤتمر الوطني في الفترة الماضية، واذا وضع المؤتمر الوطني دستوراً شعاراته اسلامية سنجد انه ما زال الفساد سارياً ولا تزال الحريات مكبوتة ولا تزال الحرب في دارفور وفي جبال النوبة وفي الشرق. ما قيمة هذا الدستور الذي لا يوقف الحرب، يجب علينا أن نبحث عن روح اسلامية للدستور.
{ هل أنتم في المؤتمر الشعبي من دعاة الدستور الاسلامي أم لديكم دعوة أخرى لدستور آخر؟
- نحن من دعاة الدستور، لكن الدستور الاسلامي كما كتبناه في دستور عام 1998م وهذا هو الدستور الاسلامي الذي ندعو اليه والذي قال فيه السفير الفرنسي ان الحريات الموجودة فيه أكثر من الحريات الموجودة في الدستور الفرنسي.
{ لكن هنالك تخوف من اعادة تكرار فشل تجربة الدستور الاسلامي؟
- الدستور لم يتم تطبيقه، دستور1998م لم يعش الا أشهراً قليلة وارتدوا عليه ونقضوا أصوله المتمثلة في الحريات العامة ومبادئه الموجهة التي لا تتغير ذاتها بالبرلمان، ونقضوا الحكم الاتحادي الذي جاء فيه ونقضوا الاتفاقيات الملحقة به ولم يتم تطبيقه ولم يقرأ، وأغلب الذين هم موجودون في السلطة لم يقرأوا دستور 1998م منذ ذلك الوقت والى اليوم، وأشك في أنهم قرأوا نيفاشا، وأنت من قبل قلت هنالك أزمة خواء فكري وهي تتمثل في أن هؤلاء لا يتعاملون مع الوثائق بمسؤولية كبيرة فكرية وتاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.