رغم هدوء الأوضاع الأمنية بولايات دارفور وانحسار حوادث النزاعات القبلية هنالك إلا أنه مازال هنالك ما بين مليونين ومليون وخمسمائة ألف نازح يعيشون فى المعسكرات، ويعتمد هؤلاء على الإغاثة بشكل أساسى فى حياتهم، وتحول عدد من المعسكرات حول المدن إلى أحياء جديدة نشأت فيها الأسواق وتشكلت فيها حياة اجتماعية بكل تفاصيلها، من إقامة الأفراح والنشاطات. وتناسى الكثير من النازحين أحزان الماضى والأسباب التى قادتهم إلى ديار غير دياره. وخلال زيارات «الأهرام اليوم» المتعددة إلى دارفور كنا حريصون على زيارة المعسكرات وقضاء أوقات مع ساكنيها، حيث كانوا يلعنون جهراً الظروف التى قادتهم إلى هذا الحال، لكن هذه المرة بدا واضحاً تمسكهم بالبقاء فى المعسكرات بعد أن طاب لهم المقام وانخرطوا فى ممارسة أنماط مهنية مختلفة فى التجارة والمهن الحرفية. الصحافيون بالفاشر بعد أن علموا بنيتنا دخول معسكر (أبوشوك) نصحونا بالتسلل خلسة.. عندها عقدنا العزم على المضي في أداء مهمتنا دون النظر للوراء وما يحدث لنا بعدها. ومن داخل المعسكر تقول إحدى النازحات صاحبة المطعم البسيط المكون من راكوبة القش بعد أن أمتعتنا بوجبة دارفورية دسمة واحتسينا بعدها مشروباً يعرف ب(الجلن كوي)، قالت ل(الأهرام اليوم)، إن معظم النازحين هنا لا يفكرون فى العودة، وزادت وهى تتحدث بلكنة أهل دارفور: «والله تتعبوا إذا قلتوا ترجعونا، الحمد لله الموية راقد والسوق في، لكن الأسعار مرتفع».. ويبدو حديث هذه السيدة يمثل تحدياً حقيقياً لجهود الحكومة الرامية لتشجيع العودة الطوعية من المعسكرات وأطراف المدن إلى القرى الأصلية التى غادروها منذ عام 2004م، خاصة بعد استتباب الأمن والتوقيع على وثيقة الدوحة للسلام التى اعتمدت (منفستو عاماً) لإحداث انفراجة لقضية دارفور. غالبية النازحين بمعسكري أبوجا وأبوشوك للنازحين والذين استطلعتهم (الأهرام اليوم) حول تداعيات الاتفاق الذى وقعته الحكومة بالدوحة عبر وسطاء السلام، اتضح أنهم لا يدركون شيئاً عن الوثيقة وما ذا تمثل لهم، مشيرين إلى أنهم فقط يحلمون فقط بالأمن والسلام وأن مشاركات السلطة وقسمة الثروة تفاصيل لا تهمهم كثيراً فى الوقت الراهن. ويقول مسؤول مركز السلام الطبي الألماني بمعسكر أبوجا؛ الطبيب سليمان أبكر عبدالله، اإن الوثيقة ربما تحل المشكلة إذا طبقت بنودها على أرض الواقع والتزمت بها كل الأطراف، أما غير ذلك فستظل المشكلة باقية. وعن العودة الطوعية أكد أنه لم ير أية مؤشرات إلى ذلك، مشيراً إلى أنه خلال الأيام الماضية كانت هنالك زيادات فى أعداد النازحين فى المعسكر، وأضاف أن النازحين يجهلون فحوى المفاوضات التى تتم بشأنهم، كما أن المشاركين منهم فيها عندما يعودون لا يقومون بتنوير غيرهم عما جرى، موضحاً أن المركز يستقبل فى اليوم أكثر من مائتي مريض، أغلبهم من الأطفال والنساء المصابون بالملاريا والأمراض الباطنية بأنواعها والجروح والعيون. واعتبر مدير مدرسة السلام بمعسكر أبوشوك للنازحين؛ حسين أبكر الزين أحمد، أن الحركات بكثرتها عقدت المشكلة، وقال إن بعض قياداتها ذاتيون استفادوا وتربحوا من القضية، وأكد أن التعجيل بحلها ضرورة ويصب فى مصلحة الجميع، وأضاف أن مدرسته تضم حوالى 900 تلميذ وتوجود 17 مدرسة أخرى بالمعسكر تضم كل منها ذات العدد. وأكد أن نسبة التسيب وسط الطلاب تراجعت عن السابق بعد أن قام برنامج الغذاء العالمي بتوفير الوجبات المدرسية بالمدارس وأصبحت حافزاً للطلاب للوصول إلى مقاعد الدراسة. وقال إن عدداً من المنظمات مثل «اليونسيف» و»بلان سودان» التى كانت تقوم بتوفير الإجلاس والمعينات بالمدارس قد تراجع دورها عما كان بالسابق، كما أن حكومة ولاية شمال دارفور أوقفت دعم ترحيل الأساتذة إلى المعسكر، ونفى إمكانية العودة الطوعية فى الوقت الراهن، رابطاً ذلك بتوفير الأمن وتأمين خطوط المواصلات. وفى جولة (الأهرام اليوم) بأسواق المعسكرات لاحظت وجود ارتفاع كبير فى أسعار السلع الاستهلاكية والذرة والسكر، حيث بلغ سعر أردب الدخن 336 جنيهاً وأردب القمح (224) جنيهاً وأردب الفتريته (224) جنيهاً وجوال السكر زنة 50 كيلو (220) جنيهاً وجركانة الزيت (170) جنيهاً. وتحدث عدد من النازحين عن انعدام الخدمات الأساسية التى كانت تقدمها المنظمات الأجنبية فى بداية الأزمة. وقال محمود جبريل وهو نازح قدم للمعسكر منذ ثلاث سنوات إن مياه الشرب أصبحت غير متوفرة، حيث محطة الضخ أصبحت تعمل فى الصباح فقط وعدد من المراكز العلاجية لا تفتح بصورة مستمرة، ونفى وجود أي نشاطات سياسية بالمعسكر من قبل النازحين، موضحاً أن معظم المتعلمين الذين يعيشون معاناة النازحين ويحسونها غادروا المعسكر، بينما تبقت فئة النساء والأطفال والعجزة. وفى السياق، قال رئيس المؤتمر الشعبي بولاية شمال دارفور؛ عبدالله محمد آدم الدومة، إن معظم الناشطين من النازحين في المعسكرات يقبعون بالمعتقلات دون أن توجه لهم أي اتهامات، وأضاف أن قضية دارفور ما هي إلا انعكاس للمشكلة السودانية عامة، ويتطلب الأمر بحثاً لإيجاد وضع سوي من حيث العدالة والمشاركة ورهن حل المشاكل الجزئية بالبلاد بحل مشكلة دارفور أولاً، وأوضح أن اتفاقية الدوحة لا تمثل حلاً للقضية، مشيراً إلى أنه رغم اتفاقية نيفاشا انفصل الجنوب. ويرى رئيس المؤتمر الشعبي أن معالجة قضايا السودان تبدأ بدارفور أولاً، مع ضرورة إيجاد إجماع واتفاق على الحل واستجابة للمطالب حتى ولو كان سقفها عالياً، وكشف أن الحزب المركزي لديه أطروحات للحل تتمثل فى معالجة قضية عدم توافر الحريات والعدالة وقسمة السلطة والثروة وهيمنة السلطة على فئات محدودة دون انحياز إلى قبيلة أو جهة، وأكد وجود تفاصيل للأطروحات على مستوى الحزب، واعتبر مطالب الحركات المتمردة عادلة. ومن جانبه اتهم مفوض العون الإنساني للمنظمات؛ أمين أمانة الشباب بالمؤتمر الوطني بالولاية؛ عثمان حسين، اتهم بعض النازحين بتأييد الحركات، ولذلك طبيعي أن يرفض بعضهم اتفاق سلام الدوحة، مشيراً إلى أن هنالك نازحين سياسيين منضمين للحركات وتجاوبهم مع الوثيقة مرهون بقادتهم فى الفنادق كما أن هنالك آخرين يبحثون عن حقائب عسكرية ومدنية، وفى حال لم يجدوا ضمانات فلن يباركوا الوثيقة ويبشروا بها، مضيفاً أن الغالبية عودتهم إلى قراهم مرهون أيضاً بتوفر الأمن والخدمات، ووجودهم فى المعسكرات اضطراري. وقال عثمان حسين إن شباب النازحين هم الأكثر حرصاً على مصالحهم وسيوجهون أهليهم النازحين إلى الاتجاه الصحيح. ورحب أمين قطاع الشباب بالمؤتمر الوطني بالولاية بالوثيقة كخطوة نحو الطريق الصحيح لطالما تساعد فى طي ملف الصراع، وقال إن أي حركة يمكن أن تلتحق بها، حيث إنها خاطبت العمق السياسي للحركات وتساعد فى تحريك ملف التنمية وتمويل المشروعات التنموية بدارفور ويمكن أن تكون مؤشراً لانسياب تدفق التنمية بصورة رسمية بعد أن كان يتم الاعتماد على الإغاثة والمساعدات يمكن أن تتجاوزها الحكومة بتقديم جوانب خدمية فى محور المياه والصحة والتعليم وتوفر حيزاً من الثقة بين الحكومة والمجتمع الدولى. وأكد عثمان جدية الحكومة لإنهاء الصراع الذى طال أمده وأثر فى التنمية والاستقرار بولايات دارفور.