فى غمرة انشغال السلطة الاقليميةالجديدة لدارفور بتكوين هياكلها ومؤسساتها ومبانيها التى ماتزال مجرد «هنكر» كبير يقبع وسط الفاشر ، يتململ عدد كبير من النازحين فى معسكرات النزوح المنتشرة فى اقليم دارفور. وسبب هذا التململ هو ماتنقله لهم الاخبار ومجتمع المدينة عن رغبة القادمين الجدد الى السلطة الاقليمية في نقلهم الى قراهم التى نزحوا منها عبر عمليات العودة الطوعية. ويتمظهر هذا التململ بشكل واضح فى معسكرى ابوشوك والسلام للنازحين، اقدم معسكرين فى دارفور اذ تم انشاؤهما منذ اندلاع احداث العنف فى بواكير العام 2004 على تخوم مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور . حيث يقول العمدة احمد اتيم ضو البيت كبير العمد بمعسكر ابوشوك ان السلطة الجديدة يجب ان تركز على الامن اولا قبل التحدث عن العودة الطوعية، مضيفا «سمعنا ان الدكتور التجانى السيسى جاء الى الفاشر وذهب الى نيالا والجنينة وهو هذه الايام معنا ، وكنا نريده ان يصل الينا ، ومع انه لم يصل نريد منك ان توصل اليه هذه الرسالة وتقول له يجب ان يوفر لنا الامن قبل ان يتحدث عن العودة الطوعية.. ونحن نريد ضمانات كافية قبل ان نبارح مكاننا». ويضيف العمدة الذى يجيد التحدث باللغة الانجليزية وشارك فى مفاوضات الدوحة ان قضايا النازحين لو تم اهمالها فإنها يمكن ان تكون حجر عثرة فى تنفيذ وثيقة الدوحة، ويقول: « لانريد ان تتكرر تجربة اتفاقية ابوجا عندما تم التركيز على قضايا الوظائف للمسؤولين الحكوميين ، ومن ثم دخولهم الى الحكومة وسكنهم فى البيوت الفخمة وركوبهم السيارات الفارهة ، ونسيانهم قضايا اللاجئين الذين اكتووا كثيرا بنيران هذه الازمة ومازالوا عالقين فى هذه المعسكرات.. واتمنى ان يسمعنا جيدا ، لأننا لن نتحمل اكثر من ذلك!». وعقد اجتماع دولى بالفاشر يوم الاثنين الماضى تناول بنودا كثيرة وردت ضمن توصيات الاجتماع تتعلق بأوضاع النازحين واللاجئين، ولكنها تركزت على العودة الطوعية لهؤلاء من قراهم التى هجروها ، كما حث الاجتماع الحكومة على الاسراع بتكوين مفوضية العودة الطوعية واعادة التوطين. ويشير هذا الاتجاه الى الاقرار بتحسن الاوضاع الامنية على الارض ، وهو حديث اكده اكثر من مسؤول حكومى واممى وحتى قادة السلطة الاقليمية. وكشف وزير الخارجية القطرى ، رئيس الاجتماع احمد بن عبد الله ال محمود عن ان بلاده بدأت فعليا فى تحسين الاوضاع وتهيئتها فى القرى التى نزح منها اللاجئون والنازحون تمهيدا لعودتهم الطوعية ، وقال ان هذه التحسينات تشمل توفير الخدمات الاساسية من مياه شرب وكهرباء ومرافق خدمية وغيرها الا انه عاد وطالب بضرورة تأمين هذه القرى عبر وقف اطلاق النار الشامل ونزع السلاح . ومع ذلك تحوم شكوك كبيرة حول امكانية عودة النازحين والذين تقدر اعدادهم بنحو 1.8 مليون شخص بعد ان كانوا 2.8 طبقا لتقديرات الاممالمتحدة الى قراهم خاصة وان المعسكرات التى يقطنون فيها حدثت فيها تحولات كبيرة منذ انشائها وحتى الان تتعلق بالتركيبة السكانية والمبانى والتحولات الاجتماعية داخلها. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تحولت المخيمات الكثيرة والبالية الى بيوت طينية ثابتة وبعضها مشيد بالاسمنت، بجانب وجود عدد من المدارس المبنية من الطين والمسورة وبها عدد من الفصول ومعلمين يقومون بتدريس عدد كبير من البنين والبنات الذين صاروا يداومون على التعليم بانتظام. كما توجد مراحيض نظيفة ومهيأة بشكل جيد وموزعة بين المساحات بين البيوت وبالنسبة للعمليات الاغاثية فقد تحول الامر من مجرد تقديم مواد اغاثية بصورة مباشرة الى اعطاء النازحين مبالغ نقدية يتم بها شراء الحبوب والزيوت من داخل اماكن وطواحين مخصصة لذلك، وتباع هذه الحبوب بأسعار محددة بصرفيات اسبوعية. ويسمى هذا البرنامج «المال مقابل الغذاء» وهو ماوجد استحسانا لدى النازحين. كما ان هنالك سوقا كبيرة تم انشأوها داخل المعسكر وتشهد حراكا تجاريا كبيرا حيث يتم بيع وشراء العديد من السلع خاصة الحبوب والزيوت والمواشى، هذا فضلا عن نزوع اعداد كبيرة من سكان المعسكر من الجنسين الى ممارسة صناعة وتجارة الطوب الذى يتم جلب طينه من حفر كبيرة حفرت داخل مساحات كبيرة فى المعسكر، وثمة عدد كبير من السكان ينهمكون فى هذه التجارة والصناعة المربحة. وبالنسبة للتركيبة السكانية فقد ظهر جيل جديد من النازحين له مطالبات سياسية واجتماعية ، وصار معظمهم ينظر بشك كبير الى الوعود التى تبذلها الحكومات والمنظمات تجاههم دون ان تنفذها.. وفى هذا الصدد يقول عيسى عزالدين وهو رئيس شباب معسكر ابوشوك ان اية حلول للمشكلات التى يعانى منها النازحون دون ان تتم مشاورتهم فيها لن تنجح، خاصة اذا تم تهميشهم مرة اخرى. ويقول (للصحافة) من داخل المعسكر: «لدينا مطالب كثيرة ، ونحن كشباب نريد ان يتم توظيف عدد منا فى هياكل السلطة الاقليمية فى ولايات دارفور بالاضافة الى تعيينا فى وظائف فى البعثة الدولية على نحو مايتم تعيين ابناء دارفور،» ويرى عز الدين ان مشروع الشرطة المجتمعية الذي تتبناه اليوناميد جيد من حيث المبدأ، ولكن يجب منح مقابلا ماليا للمتطوعين مضيفا بالقول:» لايعقل ان يقوم احد شباب المعسكر بالانضمام لهذه الشرطة ويعمل بها ليل نهار دون مقابل مادى.. وهذا الشاب يقوم بإعالة اسرته الصغيرة والكبيرة ويجب ان يجد مقابلا ماديا من قبل البعثة التى تمنح موظفيها الدوليين والمحليين مبالغ كبيرة جدا». وبخصوص وثيقة الدوحة نفسها ، التى تؤسس لسلام شامل فى دارفور، فالنازحون فى هذا المعسكر لايعلمون عنها شيئا، كما يقول على عبد الرحيم. ويضيف: «سمعنا باتفاقية الدوحة للسلام واستبشرنا بها خيرا، ونحن فى انتظار ان نرى نتائجها على الارض. ومع ذلك فنحن لانعرف فحواها ولم يأت احد لا من السلطة الانتقالية او من اليوناميد ليعرفنا بها ، وماذا تحمل لنا». اما آمنة عبد السلام ، وهى ناشطة داخل المعسكر فتقول فى هذا الصدد: « نسمع بأن هنالك لجانا كونت من اجل تبشير وتوعية سكان المعسكر ببنود وثيقة الدوحة ، وهذا لم يتم حتى الان مع مرور اكثر من 6 اشهر على توقيعها.. ونحن ننتظر وصول قيادات من السلطة الانتقالية الى المعسكر للجلوس معنا لمناقشة الفوائد التى يمكن ان نجنيها من هذه الوثيقة». وتقول منظمات المجتمع المدنى وناشطون يعملون لوثيقة الدوحة ان حملة توعوية كبرى ستبدأ خلال ايام للتبشير وشرح بنود الوثيقة لسكان دارفور بصفة عامة والقاطنين فى المعسكرات بصفة خاصة.