يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات بخاصيتين: العقل والفطرة. والفطرة قابلة للسوق والترويض خصوصاً في مرحلة الطفولة، إما باتجاه النور أو الظلمة، والنور أما يأتي عن طريق منحة ربانية أو اكتساب بشري، والاكتساب ينهض على ساقي العلم والايمان، ونحمد في سرنا علاقة لم تقم على أرقام التجارب المادية فقط ولا أنغام الأنشطة المعنوية لوحدها، إنما هي علاقة وثقى لا نستطيع أن نفصل فيها اللبن السائل عن الماء ولا الروح عن الحياة بل هناك فعالية توحد عالية الخفق تنتشر في تهيب إلى أمة كل فرد فيها فارس بالنهار راهب بالليل، لهذا لم يكن من المستغرب أن نحلق في دنيا الحضارة قبل 1400 عام رافدين ديباجة الشرف فيها بأسماء ليس أولها مخترع البارود ولا آخرها واضع معادلة عقار مرض الإيدز. غير أن النظر في مرايا التاريخ الاسلامي يرينا ملمحاً آخراً لن يضعنا في قائمة اللمع الانسانية الفطرية البيضاء بالالتفات إلى أعمال صغيرة في مبناها كبيرة في معناها تعطي القدوة في الخلاص لبني الانسان والتواضع من أجله واسداء الخير له. هل غاب الاحتفاء عن ذاكرة التاريخ بحلب الشياه للأرامل وطباخة الطعام لليتامى على يد خليفة المسلمين سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه. هل تسقط الذاكرة الجماعية في مختلف الأقطار الاسلامية والافطارات الجماعية بطقوسها ومراسمها؟ وهل من معني للحياة غير أن تفرش سجادتك برمزيتها الساحرة في قلب الشارع وتضع عليها مائدتك من أجل أن ترد عن المارة غائلة الجوع والعطش متلفعاً بهذا النور «من أفطر صائماً فله أجر صائم» كذلك يلفت في هذا الشهر الفضيل ومنذ القدم الظاهرة (التقليد) للمسحراتي ودوره في إيقاظ النوّم من الصائمين وهو يضرب على النوبة وبمعيته جوقة تضرب على الصاجات والمثلثات إذكاءً لأوار هذه الشعيرة . إن للمسحراتي دور يشع الدفء في أوصال الحياة، ويشعر بالأمان ويسوق الناس لأهمية تعلية قيمة الإيمان بهذا العمل الموسوم بالاسلامية. من أسباب تعرضي لهذا الموضوع كنت قبل يومين مصابة بحالة توتر وقلق وإرهاق وأرق غير أنني بقوة كامنة بين جوانحي كإعلامية في دولة اسلامية استطعت أن أحيل هذا الوجه السلبي لآخر ايجابي وأتيت بمعادلة نفسية جديدة ومتفائلة وأن في آخر النفق ضوء وحياة وجمال، نفذت من خلالها إلى معرض مواضيع وحقائق ووقائع تتصل بالناس والأحداث وترتبط بالواقع والميتافيزيقي الذي أوحى به جو رمضان من بين ما استعرضت المسحراتي الذي انتظرته طويلاً وانتظرت دفء مشاركته الوجدانية وعمله الايماني وفعله الانساني ودوره العظيم والطفولي في آن وهل الطفولة إلا الموقف البرئ والفاعل من الحياة، غياب المسحراتي جعلني أردد بصوت حائر ومسموع غاب المسحراتي انتظرته ولم يأت.. غاب المسحراتي انتظرته ولم يأت.