لقد استخدمت هذا العنوان «مساجد خمسة نجوم» ذات موقف فادح، وكنت يومها أمر من أمام مستشفى الأمل بالخرطوم بحري وكان المسجد الذي نهض على حافة هذه المستشفى ينادي «حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح» فرأيت أن ألبي هذا النداء لأداء فريضة المغرب، ولم يسمح لي بالدخول ثم رأيت أناساً يدخلون بعد أن يشهروا بطاقاتهم، فأخرجت بطاقتي «بطاقة عضوية الصحفيين السودانيين» كآخر سلاح استخدمه لاجتياز هذه البوابة العصية لأداء الصلاة، فقال ذلك البواب إن هذه البطاقة لا تؤهلك إلى الدخول، وكتبت يومها للسيد الدكتور تيتاوي رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين أن تدارك بطاقتك، وأخيراً جداً احتميت «بصاحب كنتين» عتيق قبالة المستشفى فاستقبلني الرجل بأريحية مذهلة لو وزعت على كل أولئك القوم لوسعتهم وأعطاني إبريقاً و«شوال خيش» فتوضأت وصليت ورفعت يدي إلى السماء أن يحشرنا في زمرة المساكين! وخاطبت بعض الذين يظنون «أن صاحب الملاذات واصل» أن صاحبهم، عليه من الله الرضوان، لم تفتح له أبواب المستشفيات فكيف إذا كان هذا العبور باتجاه القصور والدثور والمهرجانات ونسأل الله أن تفتح لنا أبواب السموات. ورأيت أن أستخدم هذا العنوان اليوم ولكن بصورة مغايرة فنحن اليوم أمام مساجد فخيمة ولكنها متاحة لم تضع في مداخلها «حرساً شديداً وشهباً» وأذكر في هذا المقام مسجد مجمع النور بحي كافوري بمدينة الخرطوم بحري ذاتها، وبدا كما لو أنه «حرم آخر» من ناحية فخامة العمارة والسلالم الكهربائية والأصوات الحجازية في الأذان والإقامة والدروس البعدية ثم المتاجر التحتية، فبعد أن تفرغ من أداء فرائض الآخرة لا تنسى «نصيبك من الدنيا» فتتسوق في «أسواق سناء»، ويا لها من أسواق. وإذا كنت يوم جمعة فعصام أحمد البشير وحده «دولة من الدعوة ووزارة من المعارف»، وأعجبني جداً أن يكون دكتور عصام البشير «حراً طليقاً» بلا وزارة تقيده ومنصب يكبله وهو يمارس «وسطيته السمحة»، أذكر لما أقصي الرجل من وزارة الإرشاد اتصلت به «لبعض العزاء» فألقمني حجة وبهاء، قال لي يومها: «يا أخ أبشر أنا أدخل الآن إلى مسجد إمارة دبي الكبير خطيباً لصلاة الجمعة وأن حياتي لا تعرف الفراغ»، فهرعت بعد قليل إلى تلفزيون تلك الأمارة فوجدت عصاماً يؤم «كل أمراء آل نهيان» على الهواء مباشرة، فتحسرت على أننا أمة لا تعرف مقامات أبنائها، وفي المقابل انتابني شيء من العزاء والإعزاز بأن الرجل البشير يجمل وجه السودان في المنابر الإقليمية والدولية وفضاءات وشاشات الخليج والجزيرة العربية. وحري بنا في هذه «المسيرة المساجدية المباركة» أن نقف عند ظاهرة «مسجد شرق النيل الكبير» الذي زرع ذات يوم مبارك بحي الهدى قبالة النافورة والمستشفى وعند سفح جسر الجريفات وأم دوم، مسجد اجتمعت له أدبيات المباني والمعاني فلقد أصبح بحمد الله سبحانه وتعالى ثم بجهود لجنة المسجد التي يقودها الصيرفي عبدالوهاب محمد أحمد والوزير حميدة وإخوانهما، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، لقد أصبح هذا المسجد تحفة معمارية مدهشة وتوفرت له كل أسباب التهيئة، مسجد خمسة نجوم بمقاييس العمارة وهو بكل نجوم الدنيا من «عمارة الصلاة». وشيخ عبدالكريم حفظه الله، كما لو أنه أوتي مزماراً من مزامير داؤود وهو يحبّر القرآن تخبيراً، ولو كنت معتمداً لشرق النيل لأوليت هذا المسجد اهتماماً خاصاً ولشددت على أيدي لجنته وهم يعملون بالليل والنهار لوجه الله تعالى إلا أنه من باب التشجيع والإحسان والعرفان أن تقول «للمحسن أحسنت»، سيما وأن هذا المسجد هو مسجد حكومي. ولا أتصور أننا يمكن أن نخرج من هذا السياق دون أن نذكر مسجد الإحسان بحي الجامعة الذي يقوم عليه البروف الأمين دفع الله والشيخ الخطيب علي أحمد جبريل وآخرون.. إنه وحده مدينة من الهدى والضياء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..