حقيقة أجد نفسي متفائلاً خيراً بحديث نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، في إحدى الليالي الرمضانية، وتحديداً إفطار (أنصار السنة)، فوقفت كثيراً عند حديث الرجل وهي إشارات بالضرورة مطلوبة في هذه المرحلة، فهو قال حسب ما قرأت في الصحف: (سنراجع أنفسنا ونقيم العدل بين الناس ونقطع الطريق على الفتن)، فهذا الحديث يفتح الشهية لتناول بعض الجوانب والتطرق إلى بعض المعطيات، خاصة في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها السودان الذي ذهب ثلثه استجابة لدواعي اتفاق، إذن مبدأ معطيات هذه اللحظات وما بعدها يخضع لحساب الربح والخسارة، لتجربة أسست لها الحركة الاسلامية السودانية خلال عقدين من الزمان، هذا الجرد الذي عادة ما يتم في المناحي الاقتصادية وفي أروقة السياسة وذلك في فترات متقاربة لمجاراة أوضاع السلوك الاقتصادي (التجاري) ومتغيرات السياسة في حالة الجرد السياسي، لكن الجرد لهذه التجربة يطول بطول عمرها الذي تقدمت فيه على كل تجارب الحكم التي مرت على البلاد، ولذلك سيكون الجرد طويلاً ومعقداً في ذات الوقت، فأما بحسابات الورثة المثقلة التي ورثتها هذه التجربة، فإننا نقول إن التوفيق بين متناقضات الواقع السياسي كان واحداً من أبرز ما تمكنت هذه التجربة من تحقيقه، ولكن النتائج التي خلصت إليها في هذا السياق قد أفرزت أيضاً تعقيدات جديدة كان من نتائجها ما اشرنا إليه في المقدمة (ذهاب الجنوب) ولربما فتح ذلك شهية مناطق أخرى، فذلك مجال مسعى وتربص من تلك الدوائر العالمية التي عادة ما تجد في الداخل من يشكل لها مخلب قط أو أداة «الغرب - النيل الأزرق - جنوب كردفان» إذن إن تفتيت السودان أرضاً وشعباً هو هدف لم يتأسس مع بداية هذه التجربة ( تجربة الانقاذ) ولكنه هدف ظل على مر الزمان هو أحد مخططات الصهيونية العالمية والامبريالية، فذلك ربما للموقف أو للخيرات التي يزخر بها السودان أو لإراة أهله الدافعة في اتجاه التحرر، كل تلك الأسباب تجعل من السودان هدفا لقوى الاستعمار، ولكن الجرد الذي يمكن أن نسوقه هنا بحسابات الربح والخسارة هو أيضاً معنية به قيادة الدولة، بحيث أنها يجب أن تفعل الكثير في ما يخص الافرازات التي أحدثها الانفصال ومن قبله سياسة التحرير، أو تلك المحاصصات التي جاءت بها اتفاقيات السلام المتعددة التي ربما كانت على حساب مجموعات سياسية أو اثنية دفعت بأخرى للصدارة أو أقصت الأخرى، إذن فإن تحقيق العدالة يظل أهم مداخل الحسم والمعالجة للخروج من حساب الجرد من منظوره السالب أو في بعده الخاسر لهذه التجربة، فالعدالة تعد واحدة من ركائز المنهج والايدولوجية التي يجب أن تكون أحد ممسكات هذه التجربة، ولكن العدالة هنا تتشعب مجالاتها وتتعدد فهناك عدالة عاجلة لابد أن تستهدف الفقراء وهم قاعدة عريضة، إذ أن في واقع التجربة وفي واقع السودان ما بعد التجربة تفاوت واضح جداً في الدخول بين الأفراد والجماعات، لذلك لابد من تحقيق العدالة حتى ولو باستخدام وسائل الدين في محاربة الفقر وعلى رأس ذلك تأتي الزكاة، كما أن التوظيف الأمثل حتى في اطار المصارف المنصوص عليها يجب أن يتحقق به القدر الوافر من العدالة، مما يستوجب ربما المراجعة أو التصويب الدقيق في اطار المصارف نفسه، جوانب أخرى أيضاً في اطار الدين يدخل فيها التكافل أي بتركيز هذا التكافل نحو هذه الأسر والمجموعات الكبيرة من الفقراء، هذا اقتصادياً أما سياسياً فجانب آخر هام معنية به هذه العدالة على المستوى السياسي الذي يتجسد في تحقيق شراكة سياسة فاعلة (ولنا مواصلة).