تمر ذكرى ثورة الإنقاذ الوطني وفي الواقع جملة معطيات سالبة وموجبة، وقد قدمنا هنا السالب على الموجب لأن الأنظمة والثورات والحكومات لا تضع في مقدمة أهدافها عملاً سالباً لكن واقع الممارسة ربما ينتج ذلك، ومن هنا كان تقديم السالب تعميماً على الموجب. ولنبدأ في هذا الاتجاه مستعرضين ما تمّ في إطار الخطاب السياسي للإنقاذ الثورة، فقد تضمن الخطاب خمسة مبادئ أساسية كانت هي مجال العمل والعطاء خلال السنوات الماضية. فالحركة الإسلامية ظلت على مدار سنوات الحكم الوطني التي أعقبت الاستقلال مراقباً للموقف ثم مشاركاً مشاركة جزئية ثم المشاركة الكاملة في حكومة الوفاق الوطني إبان فترة الديمقراطية الثالثة، ثم منفردة بالحكم خلال العقد الأول للإنقاذ ثم الحكم والمعارضة فيما بعد ذلك وحتى الآن؛ وذلك بعد الانقسام الذي ألمَّ بها. نستعرض هذا الأمر بعد أن عبّر خطاب الثورة الأول عن مرجعيتها الإسلامية أو بالأحرى أنها كانت تدبيراً للحركة الإسلامية السودانية تجلّى ذلك من ملامح الخطاب السياسي الذي عبّر عن الهوية الإسلامية خلال ما ورد حول مبدأ (الحاكمية) وما تبعه من تدابير وإجراءات. ومن ثم تضمّن خطاب الثورة مفهوم سلطة الشعب ثم الأمن والدفاع مسؤولية المجتمع ويأتي استقلال المجتمع عن الدولة في حاجاته الأساسية واحداً من محاور خطاب الإنقاذ ثم التوازن والندية في العلاقات الخارجية. هذه المرتكزات الخمسة للخطاب تشمل مجالات التقويم والتقييم. وإذا ما تجاوزنا عن عمد ما يتعلق بمبدأ الحاكمية وماهو مطلوب في إطاره، فإننا نرى بوضوح، ورغم التعثر والمخاض الذي صاحب التجربة، أن ملامح سلطة الشعب قد عبّرت عنها الانتخابات الأخيرة التي جاءت التزاماً بهذا المبدأ وبما جاء في استحقاقات السلام الشامل. وكما تجاوزنا المبدأ الأول (الحاكمية) دعونا نتجاوز عمداً مبدأ الأمن والدفاع مسؤولية المجتمع بذات الفهم لننفذ إلى مبدأ استقلال المجتمع عن الدولة في حاجاته الأساسية، المبدأ الذي ارتبط بمعاش الناس وهمومهم ومطلوباتهم على أصعدة الخدمات المختلفة، فرغم الظروف الخانقة التي يعيشها أغلب أهل السودان على صعيد المعاش إلا أن ملامح لثورة تنموية شاملة يمكن رصدها على مختلف الاتجاهات بلغت في بعض جوانبها درجة الطفرة، خاصة على صعيد ثورة التعليم العالي وإن كانت هي نفسها قد أنتجت مثالب بسبب ما أفرزته من ضخامة أعداد الخريجين وضعف التشغيل والتوظيف لكنها أيضاً من المكاسب الكبيرة. وفي المجال الخارجي نشهد ملمح مرتكز التوازن والندية في التعامل مع دول العالم المختلفة، ونرصد على مدار الأعوام الماضية مؤشرات تحوّل إيجابي في نظرة العالم، خاصة الغربي، للسودان وإن غلبت معطيات الواقع الداخلي الأمني على خطاب السياسية الخارجية. فما بين هذا وذاك تبقى الذكرى في أكثر من مكان وأكثر من موقع بعبرها ودروسها وآفاقها وتطلعاتها، ويبقى دفتر حساب الربح والخسارة مفتوحاً ومحفوظاً في ذاكرة التاريخ وكتاب الثورات في السودان ولكن يبقى التحوّل الديمقراطي، الذي مضى فيه النظام من تلقاء نفسه، صورة مشرقة تضاف إيجاباً لدفتر حسابات الثورة.