{ لا أعرف إن كان عدم نجاح فصل الخريف سيكون واحداً من إنجازات المعارضة، وذلك على طريقة (السماء تتضامن مع المعارضة)، فعندما يجوع الشعب سيخرج إلى الشارع ليصنع ثورة، والمعارضة أحوج ما تكون إلى أي مسوغ يلحقها بركب (ربيع الثورات العربية)، ولو كان ذلك المسوغ هو (تخلف فصل الخريف)، فربما عدم نجاح الخريف يعجل بنجاح الربيع، والمدهش أن السودانيين يعرفون جيداً كل الفصول، ويكابدونها برداً أو حرارة وفيضانات، ولكننا لا نعرف الربيع جيداً، فهنالك يوم في العام تحتجب فيه الشمس ولا ينزل فيه المطر، فيقال هذا يوم الربيع السوداني، فربيعنا يوم في كل عام، بين اليقظة والأحلام.. وحتى ثوراتنا لم نصنعها في الربيع، ولكنها صنعت ذات صيف باهظ في أبريل ومايو ويونيو وأكتوبر. { ففي نسخة من نسخ حكومات السيد المهدي تلك، من ذوات الاعمار القصيرة، كان وزير المالية الذي يبحث عن أي نصر وفتح في موازنة الدولة، كان يصعد إلى منبر الجمعية التأسيسية ليعلن عن نجاح فصل الخريف في ذلك العام، لتخرج صحف المعارضة اليوم الثاني بمنشتات على شاكلة: «نجاح الخريف ليس من إنجازات الحكومة»، وهذا يعني أننا استخدمنا الطبيعة، معارضةً وحكومةً، استخدمناها مرات عديدة وأزمان مديدة في (اللعبة غير الشريفة)، والحكم هنا يجري على الفريقين، إن كانت الحكومة تسعى لإشباع الشعب لإسكاته وإخراجه عن مسارات الربيع، وفي المقابل إن كانت المعارضة تسعى لإفشال الخريف، أو قل تتمنى ألا يأتي الخريف هذا العام لإنجاح الربيع السوداني، وإلا فلتكذب المعارضة هذا الادعاء، بأن يخرج السيد فاروق أبو عيسى على رأس قوم من تجمع جوبا، أن يخرج بهم إلى الخلاء ويصلي بهم صلاة الاستسقاء، ويسأل الله نزول المطر ونجاح الخريف ليخضر الزراع ويمتلئ الضرع وترخى الأسعار، فيومها ستنقلب المعادلة رأساً على عقب، ستتعلق الجماهير أكثر بمشروع السيد أبو عيسى وتتحلق حول مشروعيته الأخلاقية، على أنه لا يستخدم (أسلحة غير أخلاقية) في مواجهة الحكومة، وفي المقابل نندهش لتصرفات الحكومة التي لا تستخدم هذا السلاح جيداً، سلاح الدعاء وصلاة الاستسقاء، فقط ليعم الخير وتمارس القضارف نزوعها المدهش في إنتاج الحبوب، وتمتلئ مطامير كردفان بالدخن والذرة، والدمازين وسنار، ليعلن أن السودان لا يعاني هذا العام من أزمة غذاء.. { وليعلم الشعب أن استخدام (حرب الأسعار) معمول به في السودان بكل أسف منذ فترة سحيقة، فالحكومة الآن تقول إن جهات لم تسمها هي وراء اختفاء سلعة السكر، فكميات السكر الموجودة والمستجلبة تكفي السودانيين ثلاثة رمضانات، محافظة على السعر المعلن، إلا أن جهات طفقت في شراء السكر من البقالات عن طريق الركشات لتجفيفه من السوق، وذلك لإحداث ندرة، ثم تحويل الندرة إلى أزمة، وكانت الحكومة في فترة قليلة ماضية قد قالت إن هنالك جهات لجأت (لقفل بلوفات مياه المدينة) لتتفاقم ازمة المياه، لكن حكومة الولاية قد تراجعت في ما بعد عن هذا الاتهام، ربما لأسباب أخلاقية حتى لا يشيع المكر في الذين آمنوا أو (لمحاربة الفاحشة السياسية) و... و... { وربما تتجلى هذه الأزمة الأخلاقية السياسية أكثر في أزمة دارفور، فغاية جهد الحركات المسلحة الآن هو أن تهجم على إحدى القرى الآمنة المطمئنة، فتحطم المشافي والمدارس وكل مقومات الحياة، وتحول مواطنيها إلى لاجئين، ومن ثم يلتحقون بمعسكرات النازحين، فتصير الأزمة ذات علاقة طردية بضخامة المعسكرات، والآن هنالك محاولة لجر منطقة جنوب كردفان إلى ثقافة النزوح وضمها إلى (إدارة المنظمات الاجنبية)، فعلى الأقل إن الحركات المسلحة لمّا تهاجم قرية فإنها لا تجلب لها الخدمات واسباب الحياة، ولكنها تجلب لها الموت والرماد والنزوح. { مخرج.. نحتاج كأمَّة إلى مشروع أخلاقي يعصمنا من استخدام الأسلحة غير الشريفة.