سؤال أساسي نطرحه على القائمين على أمر المخزون الإستراتيجي، على خلفية تصريحات صحفية منسوبة لمساعد المدير العام نقلتها الصحف في الأيام الماضية.. ما هي الظروف الاقتصادية التي يرى المسؤولون في المخزون الإستراتيجي أنها تحُول دون التدخل لشراء الذرة؟ نريد المزيد من التوضيحات لأن الحديث المفتوح عن ظروف اقتصادية دونما إبداء أية مبررات، يعني في المقام الأول أن المخزون الإستراتيجي يعاني من شح في الموارد، تمكنه من بسط يده في أسواق الذرة بالقدر الذي يجعله يضطلع بمسؤوليتها الأساسية في خفض سعر الذرة، وتحريك السوق لتحقيق الفائدة المرجوة للمزارعين، وتأمين الاحتياطي المطلوب للدولة في العام، وبغياب هذا الدور لأي مبرر، فإن البديل هو الفوضى والمضاربة التي يخلقها تجار الذرة انطلاقاً من حجم المعروض والكلفة العالية للإنتاج، وإذا كانت الأسعار الحالية تمنع المخزون الإستراتيجي من التدخل، فمتى يا تُرى يتدخل؟ الآن الأسعار عالية صحيح لكن هناك مبررات واضحة ومقنعة لارتفاع أسعار الذرة، مع أن هذه الأيام هي أيام حصاد، وفي الوضع الطبيعي تكون الأسعار في هذه الفترة متدنية جداً لوفرة المحصول فيها. فارتفاع تكاليف الإنتاج هي السبب الرئيس الذي يقف حالياً وراء ارتفاع الأسعار، بجانب تراجع إنتاجية الفدان، وتراجع الإنتاجية عموماً على عكس ما كان متوقعاً، على الرغم من نجاح فصل الخريف. هنالك عقبات حقيقية تعترض زراعة الذرة. عقبات إن لم يتم تداركها من قبل الحكومة بإجراءات منطقية ومعالجات واقعية، ربما يترك معظم المزارعين زراعة الذرة والقمح وبالتالي تصبح الزراعة مجالاً طارداً للمزارعين، وتذهب هذه الشريحة الغالبة في المجتمع السوداني لمهن هامشية تضر بالمجتمع وحركة الاقتصاد، فكيف للمزارع أن يستفيد في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة والعمليات التحضيرية ورسوم المياه بسبب تصاعد أسعار الجازولين إلى جانب ندرة العمالة في موسم النظافة والحصاد إضافة للتدهور المريع، في ذات الوقت في عينات التقاوى، كل هذه الأسباب مجتمعة مضافاً لها شح التمويل والقيود المضروبة على القليل منه، من جانب المؤسسات شبه الرسمية العاملة في هذا المجال، ستجعل مخازن المخزون الإستراتيجي خاوية على عروشها، كما ستجعل مطامير المزارعين فارغة، وسيتجه كل الشعب لأكل رغيف البروميد المسرطن، وسنفقد تبعاً لفقداننا لزراعة الذرة بأنواعها كالأعلاف التي تشكل 70% من المراعي لماشيتنا وتبقى الخسارة خسارتين. إن على رجال المخزون الإستراتيجي ألا يتنصلوا عن مسؤوليتهم في وقتها، وعليهم أن يواجهوا وزارة المالية بحجم الضرر الذي سيقع على المواطن البسيط جراء انفلات أسعار الذرة، لأن تدخول المخزون الإستراتيجي كمشترٍ في الوقت الراهن هو من سيخفض الأسعار ويفتح الفرصة أمام المواطنين لشراء احتياجاتهم من الذرة لقوت العام، وإلا فماذا نعني ب«إستراتيجي»، وغياب المخزون وترك ساحة الشراء للمضاربين في الذرة وحدهم سيصعد الأسعار لمستوى جنوني، لن يستطيع بعدها الإستراتيجي التدخل لخفض أسعار الذرة لمستوى معقول يجنب البلاد أي مخاطر لأزمة غذائية محتملة في بلد مفتوحة من كل الاتجاهات، مع حدود على بلدان تعتمد بقدر كبير على الحبوب الغذائية التي تتدفق إليها من السودان. الضرر الذي وقع على المزارعين هذا العام ليس في السعر الذي وصل إليه محصول الذرة بأنواعه المختلفة، إنما في العائد المتدني في الإنتاجية الذي لا يغطي للمزارع حجم المبالغ التي أنفقها على الزراعة والحصاد معاً، حتى أن بعض المزارعين ينتظرون تدخل المخزون الإستراتيجي لخفض الأسعار حتى يتمكنوا من شراء جزء من قوتهم بسعر معقول.