الخرطوم / القاهرة : عزمي عبد الرازق / صباح موسى بعبارة مقتضبة كان الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم بلال يرد على أحد الأسئلة المهمة: أين يختبئ خليل إبراهيم؟ يأخذ الرجل نفسا عميقا ويجيب: «أطمئنكم، خليل إبراهيم بخير، ولكننا لا نستطيع أن نفصح عن مكانه) وهي إجابة تندرج في فن التمويه الأمني وفتح أقواس التكهنات على اتساعها، ولكن بعد سيطرة الثوار الليبيين على آخر معاقل العقيد القذافي وتحرير طرابلس يفرض السؤال نفسه من جديد، ترى هل غادر رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم طرابلس نهائيا أم أنه لا يزال موجودا فيها؟ وإذا كان غادرها بالفعل فأين استقر به المقام وهو الذي أصبح رهين المحابس غير الطوعية؟ لا أحد بالطبع يستطيع أن يجيب على ذلك السؤال ومن يعلم من حركته بحكم الاتصال التنظيمي يتكتم بالضرورة للدواعي المعروفة التي يذكرونها للصحفيين، ولكن القيادي بحركة العدل والمساواة الطاهر الفقي كان قد أطلق نداء قبل عدة أسابيع عبر «رويترز» طالب فيه المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته بتأمين إجلاء د خليل حتى يكون آمنا من أجل السلام، وأشار الفقي إلى أنه على اتصال يومي مع رئيسه الذي ما يزال يتحلى بالهدوء لكنه قلق من الاضطرابات المحيطة به بعد ذلك التصريح مباشرة أصدر مكتب الحركة قرارا بعدم الخوض في أية مسألة تتعلق بمكان خليل إبراهيم. وفي ظل غَبَش الرؤية تصبح قصة خليل إبراهيم مع دولة قطر التي غادرها مكرها بسبب الضغط عليه للتوقيع على اتفاق سلام إلى إنجمينا ومن ثم إلى ليبيا ربما تشبه إلى حد ما قصة الكاتب عيسى الحلو «أختبئ لأبحث عنك» خصوصا وأن ما توفر من معلومات يشير إلى أن قطر تعلم مخبأ خليل إبراهيم وهي على اتصال به لإثنائه عن مواقفه الأخيرة من العملية التفاوضية التي أثمرت وثيقة اتفاق الدوحة، بينما اليوم تبحث لتحقق نصرا جديدا بالعثور على صديقها القديم معلومة أخرى وردت في ذلك السياق هي ما تناقلته الصحف قبل أيام وأثناء تكثيف هجوم قوات التحالف على العاصمة طرابلس من أن الدكتور خليل إبراهيم يختبئ حاليّاً بالسّفارة الأوغندية بطرابلس بينما ينشط معاونوه في إيجاد مخرج له من تحت ألسنة اللهب الحارقة، وقد تصاعدت الأصوات داخل حركة العدل والمساوة تطالب بفك الخناق عن قائدها وتخليصه من فوهة بنادق الثوار ومن خلف ركام تطورات الأحداث في ليبيا ينتصب أكثر من سيناريو يتعلق بمصير خليل إبراهيم، أسوأ تلك السيناريوهات هو احتمال تعرضه للقتل في ذروة تصاعد عمليات الانتقام وهو المتهم سلفا بمساندته لكتائب القذافي ولكن سيناريو آخر يمضي إلى رسم خطة لإنقاذ خليل إبراهيم من قبل القوات الفرنسية المشاركة في معركة تحرير طرابلس وذلك على خلفية التنسيق الأخير بين خليل وعبد الواحد المقيم في فرنسا، ولكن أبلغ ما في الأمر والأكثر رجحانا هو ما يدور خلف كواليس الحكومة القطرية الممسكة بخيوط اللعب في ليبيا ودارفور، مع الأخذ في الاعتبار أن ليبيا رفضت طرد خليل في أسوأ ظروفها بعد أن فعلتها إنجمينا التي احتضنته لسنين وهو العائد للتو من دوحة العرب. لو رجعنا قليلا إلى الوراء نتذكر أن خليل حاول دخول مصر ولكن الحكومة السودانية مارست ضغوطا مكثفة على نظام حسني مبارك ساعتها وأرسلت وفدا رفيعا بقيادة مساعد الرئيس الدكتور نافع علي نافع لإثناء مصر عن استضافة خليل ونجحت المهمة ليعود الطبيب الإسلامي إلى العاصمة التشادية إنجمينا ويبقى عالقا إلى حين ويكلم صحيفة (الأهرام اليوم) من هناك بهاتف الثريا بعد أن نجحت الحكومة السودانية أيضا في إنهاء سنوات العسل بينه وإدريس ديبي، حتى ذلك الوقت وطائرة زعيم حركة العدل والمساواة لا تعرف لها وجهة، غير أن القذافي يفتح مطار طرابلس لخليل إبراهيم ليبعث بأكثر من رسالة إلى الخرطوم مفادها أنه الرجل الوحيد القادر على تسوية أزمة دارفور المتطاولة. من جهتها ناشدت حركة العدل والمساواة الثوار الليبين بضمان سلامة وخروج رئيسها الدكتور خليل إبراهيم. وأهابت الحركة في بيان لها أمس تلقت الأهرام اليوم نسخة منه الثوار الليبيين و الأممالمتحدة والناتو وسائر المنظمات الإنسانية ضمان سلامة وخروج خليل إبراهيم والوفد المرافق له من طرابلس، التي مكثوا فيها في إقامة شبه جبرية منذ مايو 2010 نتيجة مؤامرة إقليمية ودولية هدفت إلى عزل قيادة الحركة عن قاعدتها الشعبية والعسكرية، على حد وصف البيان. وذكر البيان أن نظام الخرطوم قد بذل جهوداً خارقة لإيغار صدور الثوار الليبيين وزرع الفتنة بينهم و بين أهل السودان المقيمين في ليبيا وعلى رأسهم أبناء إقليم دارفور، بالادعاء زوراً وبهتاناً أن رجالاً من أبناء الإقليم وحركات المقاومة يقاتلون بجانب نظام العقيد معمر القدافي، بالإضافة على ما تم من تعبئة عنصرية للثوار الليبيين ضد الشباب الإفريقي عموماً عبر إعلام وصفه البيان بالمغرض تخشى الحركة أن يلجأ بعض الثوار إلى الانتقام وفق هذه التعبئة المضللة فتزهق أرواح بريئة وتساء معاملة جماعات بغير وجه حق. ودعت الحركة في بيانها الثورة الليبية التي دانت لها طرابلس إلى ضمان سلامة رئيس الحركة والوفد المرافق له، و سلامة جميع السودانيين والأفارقة المقيمين في ليبيا، وألا يسمحوا بأي معاملة أو إجراء لا يقره القانون الإنساني الدولي ومواثيق حقوق الإنسان و الشرائع السماوية حيالهم، كما دعت الحركة الجهات المختصة في المجتمع الدولي إلى القيام بمسؤولياتها تجاه حفظ الأرواح ورعاية واحترام حقوق الإنسان في الظروف الخاصة التي تعيشها ليبيا في هذه اللحظات التاريخية. وهنأت الحركة في بيانها الثورة الليبية بما تحقق لها من نصر و إنجاز في فرض إرادة شعبها في التغيير، وأكد البيان أن العدل والمساواة دائماً مع الخيارات الحرة للشعوب، وتقاتل من أجل ذات الهدف النبيل. الحكومة السودانية يبدو أنها غير مشغولة بمصير أخطر المتمردين عليها أو ربما تكون مهمة البحث عنه ذات طبيعة أمنية تحتم العمل بسرية ولكنها لم تصدر أي حديث بشأن خليل إبراهيم، وكذلك لاذ المؤتمر الشعبي بالصمت بالرغم من أن حركة العدل والمساوة بحسب مزاعم الحكومة هي الذراع العسكري لحزب الترابي وخليل هو الابن المبارك من الشيخ الترابي، بينما كانت آخر المعلومات التي تحصلت عليها صحيفة (الأهرام اليوم) تشير إلى أن الدكتور خليل إبراهيم غادر العاصمة طرابلس منذ بداية هجوم قوات التحالف واستقر مؤقتا بإنجمينا ومنها طار إلى أفريقيا الوسطى التي زارها وفد من حركة العدل والمساواة قبل شهور بشكل علني للتمهيد لإقناع أفريقيا الوسطى باحتضان الرجل، والمحطة الأخرى التي راجت معلومات بأنه هبط فيها هي أوغندا بتاريخها المعروف في سلسلة المواجهات مع الخرطوم. هنا وهناك وفي ظل ندرة المعلومات تشير بعض المصادر إلى أن دولة قطر رسمت سيناريو مصير خليل وهي تنشط في مهمة البحث عنه في مخابئ المدينة المحررة حديثا (طرابلس) وفي حالة العثور عليه ربما تساومه بإنقاذ حياته شريطة التوقيع على وثيقة سلام الدوحة، لا سيما بعد أن تسرب إليها الإحساس بأن مقاطعة خليل إبراهيم للمفاوضات الأخيرة أفقدها بريقها الإعلامي وثقلها السياسي وربما يجهضها مستقبلا فهل ستنجح قطر في المهمة المرتقبة؟ هذا ما ستفصح عنه الساعات القادمة.