{ تحدثنا من قبل في هذه المساحة عن افتقارنا للإعلانات الجاذبة المنطقية، وأقصد بالمنطقية هنا البعد التام عن استغفالنا أو التعامل معنا كسذج، إذ غالباً ما تكون الحبكة الدرامية للإعلان ضعيفة أو جوفاء أو مملة، كما أن العديد من الإعلانات اعتمدت على جمال الصورة دون مراعاة للقيم الأخلاقية أو حتى موروثاتنا الاجتماعية، ربما لهذا أسقطت معظم الإعلانات ولم تخدم أغراض من وراءها من ممولون ومستفيدون. { وشهر رمضان الكريم أصبح - للأسف- سوقاً إعلانياً رائجاً، بقدر الزخم الكبير في البرامج والمسلسلات نجد هناك إعلانات تستهدف التأثير علينا في هذه الأيام على أمل أن تحل عليها بركة هذا الشهر الكريم فتملأ جيوب أصحابها من وراء نزواتنا العاطفية وانبهارنا وانجذابنا النفسي نحو منتج بعينه. { شركات الاتصالات تتسيد الموقف الإعلاني على خارطة البرامج السودانية عبر كل القنوات الفضائية وإذاعات الموجات القصيرة ويحمد لإحداها أنها تروج لخدماتها خلال هذا الشهر الكريم عبر التواشيح والأناشيد الدينية والدراما القصيرة الهادفة ذات المضمون الرفيع، أما الأخرى فأعجبني واحد من إعلاناتها للحد الذي دفعني لاتخاذ قرار فوري بالانضمام لقائمة مشتركيها، إذ أنني لم أكن حتى هذه اللحظة منهم، وإذا كان العديدون قد شعروا بما شعرت به من انبهار وإعجاب وحذوا حذوي فهذا يؤكد أن مسيرة الإعلان كفن في بلادي تمضي قدماً وأن تلك الشركة كانت ذكية جداً حين روجت لنفسها عبر كلمات بسيطة وجميلة موضوعة في قالب لحني يسكن وجدان الكثيرين منذ الزمن، ويرتبط في أذهانهم بمراحل عمرية صغيرة أو فتية حيث البراءة والوداعة والحرية والانطلاق. لهذا أجد هذا الإعلان قد أسرني تماماً وللمرة الأولى أدرك المغزى الحقيقي لغايات فن الإعلان بتحقيق هدف الجذب من خلال فن العرض وسياسة مخاطبة الوجدان بصورة غير مباشرة دون أن نشعر بذلك. { في الماضي.. كنت أتساءل عن الفائدة التي يحققها المعلنون بعد كل هذه الخسائر المادية التي ينفقونها على إنتاج الإعلانات، ربما لأنني لم أتأثر يوماً بأي إعلان.. وظلت إمكانياتي المادية وحاجتي للمنتجات هي التي تتحكم في اختياراتي، لهذا كنت أنظر لجميع الإعلانات بعين التهكم والنقد و«أمصمص» شفتي كلما أمعن صناع الإعلان في التردي و«الكلفتة» على اعتبار أن الإعلان قد أصبح علماً يدرس وفناً رفيعاً يدخل في العديد من المسابقات الدولية ويساهم في تقييم الأمم. { فالتحية لكل الإعلانات الراقية التي أسعدتنا بتقديمها للشخصية السودانية كنموذج راقٍ ونظيف ومحترم دون إسفاف أو «بهدلة» أو «عوارة». { وتحية خاصة لشركات الاتصالات التي وإن كانت تبيعنا الهواء فهذا لا ينفي كونها أصبحت ضرورة ملازمة في حياتنا اليومية بما تقدمه من خدمات وعروض وإعلانات. { تلويح: من ستة صحيت من نومي بي ستة سعيد بي يومي من ستة صحيت بكل حيوية وصبحتا على كل الحواليه و«هكذا تؤكل الكتف..»