{ انقضى الشهر الفضيل، وثمّة مَن لم تعرف لقمة الخبز الطريق إلى معدته بعد، وثمّة أفواه بلا جرعة ماء، ولا كوب حليب، ولا «حبة» عدس أو أرز أو فول ولا حتى ذرة حنان. { (الصومال) على الشاشات والصحف، الأطفال المجوّفون، بعظامهم الناتئة كأنها خناجر في عيوننا نتحاشى النظر إليها، عيونهم الجاحظة وأفواههم الفاغرة في الفراغ كسؤال يسألنا: «هل من مُغيث؟، هل من جرعة ماء وسط هذا الجفاف؟، هل من لقمة تقيم الأود؟، هل من واجب يأمرنا به دين الإسلام؟». { (الصومال)، عار على جبين المسلمين والعالم أجمع، مهما بلغت الدول علواً، سيبقى عالمنا في الحضيض الإنساني من الأخلاق، وسيبقى إسلامنا يبكي قيمه السمحة المندثرة، وسنبقى بلا دين، أو عاطفة، أو إحساس. أسوأ موجة جفاف منذ «60» عاماً تضرب هذا القرن الإفريقي، ورغم ذلك، ثمّة جفاف في عقول أولئك المتحاربين في الصومال، الذين يواصلون الحرب ويمنعون وصول المواد الغذائية للمنكوبين!! فمن أي سلالة بشرية انسل نسل هؤلاء؟. وما هو تعريفهم «للثورة» المزعومة؟ وثمّة شعب يموت من الجوع أمام أفواه بنادق المليشيات الصومالية، تلك البنادق التي تلتهم الأخضر واليابس، العشب، الشجر وحتى الحجر وصولاً إلى أعواد الناس المتيبِّسين من الجوع. { إن المجاعة في الصومال، تضع رأس الإنسانية في كل أصقاع الأرض في الوحل.َ فلم تعد القضية نقصاً في المواد الغذائية والأدوية والمياه فحسب، وإنما هي في حقيقتها نقص في الأخلاق.. في معنى البشرية.. في المشاعر الإنسانية.. في العقول. { هل تعلمون أن هناك أكثر من عشرة ملايين شخص ينتظرون المساعدة ونحجب أيدينا عنهم؟!! وأن هناك مليوني طفل يعانون من سوء التغذية ونسد آذاننا عن بكائهم حتى لا نسمع أنينهم الذي يمزّق القلوب الحية؟! هل تعلمون أن هناك ملايين العيون الشاخصة صوبنا في رجاء وانكسار، ونحن نغض الطرف أو نتشاغل عنها بالعبث بالريموت كنترول بحثاً عن دراما أخرى بعيداً عن الواقعية والتراجيديا، ربما دراما كوميدية رمضانية!. { فهل أدركنا المعنى الحقيقي لرمضان؟ هل علمنا الحكمة من الصوم؟ لا والله! فرمضان هناك في الصومال حيث يمتد دهراً لا شهراً، فها هو الجوع يمتد صوتاً عبر الأثير فهل نسمع؟!! { للمجاعة أسباب كثيرة منطقية منها الجفاف الطبيعي والإفراط في سحب المياه الجوفية، وأيضاً الحروب والفشل الاقتصادي على يد لصوص أنظمة الفساد الذين ينهبون الثروات لحساباتهم الشخصية. ولكن! معظم أسباب المجاعة وأبرزها إنسانية أولاً، الإنسان هو العدو الأول للإنسان، وإن تآكلت التربة، يمكننا أن نجد تراباً في أرض أخرى فالأرض شاسعة، ولكن حين تتآكل الإنسانية وتنعدم الأخلاق وتتجوف، لا يمكن إيجاد بديل عنها. فها هي (الصومال) تضع المروءة والإنسانية في كل أصقاع الدنيا أمام امتحان كبير، تحدد نتيجته الكثير وتوضح العديد من الصور للدول والشعوب والحكّام. فهل يُحق لإنسان الصومال أن يجد كسرة من رغيف الخبز العالمي ليستعيد بعض إنسانيته الفطرية دون عولمة؟!! {تلويح: (الصومال).. لا عجين في أفران الأرض سوى الأجساد، ولا ماء في وجوه وعيون أولئك الذين يتفرّجون على هؤلاء العطاشى!!